تنطلق الاثنين المقبل جولة جديدة من مفاوضات أستانة، تحمل الرقم 10، في منتجع سوتشي الروسي، بمشاركة نواب وزراء خارجية الدول الضامنة، روسيا وإيران وتركيا، ووفدين من الحكومة والمعارضة السوريتين، إضافةً إلى مراقبين من الأمم المتحدة والأردن والولايات المتحدة، بعد أن وجهت الخارجية الروسية الدعوة إلى الأخيرة للمشاركة بصفة “مراقب” في الاجتماعات المنتظرة.
إلا أن ما يميز هذه الجولة من المباحثات، بحسب ما تقول مصادر دبلوماسية مطّلعة لـ”المركزية”، هو حصولها غداة القمة الأميركية – الروسية في هلسنكي والتي رسمت جملة تفاهمات سورية بين واشنطن وموسكو. وستكون المباحثات المنتظرة فرصة تضع فيها الأخيرة الحاضرين في صورة الاتفاقات التي حصلت.
وإذا كان أبرز ما نتج منها يُعنى بالنازحين السوريين حيث أطلقت في أعقابها روسيا مبادرةً لإعادة هؤلاء من لبنان والأردن وتركيا إلى بلادهم، فإن موسكو تتطلع إلى أن تركّز “أستانة 10” على الأوضاع الإنسانية في سوريا وأن يُعطى هذا الملف الأولوية.
إلا أن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا يريدها ان تشمل قضية أخرى، ألا وهي تشكيل اللجنة الدستورية، ويأمل أن يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها كي تبصر النور قبل نهاية أيلول المقبل. لكن، وبحسب المصادر، فإن طموحات المبعوث الأممي قد لا تكون سهلة المنال، خصوصًا أن موسكو تكثّف، منذ أشهر، الضغوط لتحل منصة “أستانة” مكان منصة “جنيف” التي تديرها الأمم المتحدة، وبالتالي فإنها لن تعمل على تقديم “خدمات” إلى مسار الثانية، من قبيل تأليف اللجنة الدستورية التي يسعى إليها دي مستورا.
وتلفت المصادر إلى أن ثمة أيضًا عوامل أخرى ستظلل مفاوضات أستانة. لعل أبرزها التطورات الميدانية التي شهدتها سوريا، وتحديدًا الجنوب، في الفترة الماضية. وفي السياق، ستبلغ موسكو مرة جديدة لإيران، شريكتها في أستانة، بضرورة التقيد بالقواعد الجديدة للعبة في هذه المنطقة والتي اتفقت عليها مع واشنطن وتل أبيب، وهي تقول بضرورة التراجع 100 كلم عن الحدود مع إسرائيل في مرحلة أولية، على أن يستتبع ذلك بانسحاب كامل من الأراضي السورية.
والواقع، إن هذا الخروج بات ضروريًا لتتمكن “عربة” الحل الذي رسمته روسيا للأزمة السورية من التقدم. فعشية أستانة، رفعت أنقرة سقفها، فعززت حضورها في شمال سوريا ميدانيًا. وهي، بحسب المصادر، أبلغت من يعنيهم الأمر أنها لن تُقدم على أي انسحاب أو تراجع قبل أن تنسحب كل القوات غير السورية الموجودة في سوريا من البلاد، ومنها القوات الإيرانية وأيضًا الأميركية.
وعليه، سيتعين على موسكو، في المرحلة المقبلة، تكثيف الجهود على خط حليفتيها، طهران وأنقرة، قبل سواهما، لإقناعهما بأن خروجهما من سوريا بات ملحًا لوقف التصعيد الميداني وتسهيل عودة النازحين إلى أراضيهم والإسراع في إطلاق ورشة إعادة إعمار سوريا وولادة الحل السياسي المنتظر. هذا ناهيك بالرسالة التي ستبلغها مجددًا إلى النظام السوري لتذكيره بأن “غض النظر” الأميركي – الروسي عن بقائه في السلطة مربوط بوظيفة محددة عنوانها إعادة الاعتبار إلى قواعد اشتباك العام 1974 في الجولان، لكنه لا يسمح له لا بمواصلة تصعيده الميداني ضد الفصائل المعارضة ولا بتصفية حساباته مع المكونات السورية الأخرى، على غرار ما حصل في السويداء، وفق المصادر.