كتبت آمال خليل في “الاخبار”:
تعيش منطقة شرقي صيدا وقرى قضاء جزين تحت شبح الخوف من الكسارات والمقالع المفتوحة. آخر الملفات التي أثارت أهالي المنطقة، مشروع «استصلاح زراعي» في عقارات كبيرة في منطقة كفرفالوس. شكوك كثيرة تحوم حول أهداف المشروع الذي يملكه ورثة الرئيس رفيق الحريري من أن يكون المشروع الزراعي المفترض مجرد كسّارة بـ«لباس أخضر».
قبل حوالى شهر، علم رئيس اتحاد بلديات قضاء جزين خليل حرفوش أن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق منح شركة استثمارية ترخيصاً باستصلاح العقار الذي يملكه ورثة الرئيس رفيق الحريري في كفرفالوس ونقل الناتج وتوزيعه وبيعه في الأراضي اللبنانية. بالتزامن، منح وزير الزراعة غازي زعيتر ترخيصاً بقطع الأشجار في العقار ذاته. وقعت هذه المعطيات كالصاعقة على المنطقة التي لم تنجح في إقفال الكسارة ومجبل الباطون اللذين تملكهما «الشركة العربية للإنشاءات المدنية» المملوكة من رجل أعمال صيداوي محسوب على تيار المستقبل، في نقطة تقاطع بين بلدات عين المير ولبعا ومراح الحباس..
العقار الواقع خلف منشآت الحريري عند مدخل كفرفالوس، وكل ما يمتّ له بصلة، بات في الفترة الأخيرة «مشبوهاً» ويثير حساسية مسبقة في المحيط. مطلع العام الجاري، ثارت ثائرة فاعليات جزين، ولا سيما التيار الوطني الحر واتحاد البلديات، لدى بيع فهد رفيق الحريري (آلت إليه ملكية العقار بالوراثة) إلى رجل الأعمال محمد دنش الذي استحصل على تراخيص لإنشاء كسارة، بهدف توفير الصخور لبناء مشروع سد بسري الذي التزمه من مجلس الإنماء والإعمار. حملة الرفض الشعبية والسياسية تزامنت مع الانتخابات النيابية، وأثارت حساسية طائفية وتدخلات من مرجعيات صيداوية. وانتهى الأمر بتدخل الرئيس سعد الحريري الذي أقنع شقيقه أيمن بشراء العقار بالشراكة مع رجل الأعمال علاء الخواجة والتفكير في طريقة مختلفة لاستثماره.
يومها، ساد انطباع بأن العمل في العقار قد جمد على غرار الجامعة والمستشفى اللذين شيّدهما الحريري الأب مطلع الثمانينيات عقب تحرير شرقي صيدا، قبل أن يقصفهما العدوّ الإسرائيلي. لكن العقار عاد إلى الواجهة قبل شهر عندما وصلت، بالتواتر، معلومات إلى البلديات بأن شركة استثمارية تنوي تنفيذ مشروع زراعي في العقار الذي يحاذي حدود سبع بلدات، منها: صفاريه وأنان ومراح الحباس.
عملياً، تبيّن أنه بعد استبعاد دنش عن ملكية الأرض، حصل الأخير على تعهد بالحصول على حاجته من الصخور لبناء سد بسري من الأرض نفسها. وهو أمر لا ينفيه أصحاب شركة «تلال البلوط» (OAK HILLS ESTATE)، لكنهم يؤكدون أن نقل الصخور سيكون ضمن مشروع استصلاح زراعي كبير.
حصلت الشركة لاستكمال عملية الشراء على تمويل بملايين عدة من الدولارات من أحد المصارف، الذي اشترط ــــ بناءً على اتفاقيات مع مؤسسات تمويل دولية ــــ بأن يُرفق طلب التمويل بدراسات وتعهدات صريحة بإطلاق المشروع الزراعي فوراً. ووفقاً لذلك، جرت الاستعانة بشركة WARDELL ARMSTRONG البريطانية لإعداد دراسة الأثر البيئي بالتعاون مع شركة محلية، كما تم الاتفاق على إطلاع أبناء المنطقة على تفاصيل المشروع، وخصوصاً أن الشركة البريطانية تخشى أن يتم تحميلها مسؤولية أعمال لم تنفذ.
رغم ذلك، حامت الشكوك الجزينية حول المشروع الزراعي «بسبب الآلية التي اتبعت لنيل التراخيص» بحسب رئيس الاتحاد خليل حرفوش. إذ «بدلاً من أن يعرض طلب الترخيص المقدم من الشركة على البلدية، حيث يقع العقار، وعلى المحافظ لإبداء الرأي والموافقة، أصدر المشنوق وزعيتر ترخيصين باستصلاحه وقطع الأشجار فيه من دون أخذ موافقة محلية».
حرفوش وعدد من رؤساء البلديات قصدوا، برفقة النائب زياد أسود، وزير البيئة طارق الخطيب نهاية الشهر الماضي لعرض القضية. كما طلبوا لقاء ممثلين عن الشركة صاحبة المشروع لاستيضاح الأمر. لم يكن اللقاء إيجابياً بسبب المصارحة التي تبادلها ممثلو «تلال البلوط» ورؤساء البلديات. أحد الشركاء في المشروع، وليد السبع أعين، أكد أن وجهة استخدام العقار حالياً «زراعية فقط تشمل استصلاح وإنشاء جلول على مساحة مليون ونصف مليون متر من أصل مليوني متر مربع، المساحة الكاملة للعقار». لكنه لفت الى أنه «سينتج من استصلاح الأرض فائض من الأحجار والصخور والأتربة البيضاء تذهب للمتعهد». وعندما واجهه رئيس بلدية لبعا فادي رومانوس بأن أصحاب الشركة «حصلوا على ترخيص من المشنوق لإنشاء كسارة ومجبل باطون»، لم ينف السبع أعين، وقال إن «الترخيص لاستصلاح أرض وإنشاء كسارة في حال اللزوم».
عبارتا كسارة ومجبل باطون كانتا كفيلتين باستفزاز الحضور. «كيف يمكن أن نثق بالمشروع ولم نكد ننتهي من الخلاف على كسارة لبعا (يملكها رجل الأعمال محمد الشماع صديق آل الحريري) غير القانونية، والتي حظيت بتغطية سياسية من فريقك السياسي (يقصد تيار المستقبل)؟»، سأل رومانوس. فكرر السبع أعين مراراً بأن «فريقي السياسي يرغب بأن ينفذ المشروع برضى الجميع». ومما عزّز شكوك رؤساء البلديات الملاحظة التقنية التي أوردها المهندس الإستشاري في المشروع بأن استصلاح مساحة مليوني متر مربع «ينتج منها 4 ملايين ناتج من صخور وأحجار وأتربة لا يمكن أن تبقى في مكانها، بل يجب إخراجها إلى خارج العقار وفق ترخيص نقل متوافر».
لم يقتنع رؤساء البلديات بأن المشروع زراعي وتوافقوا على رفضه، في هذا الإطار، فيما شدّد السبع أعين على أن «لديّ توجيهات بالتعاون والتراضي معكم. أما إذا عرقلت البلديات تنفيذ المشروع، فسنضطر إلى الدخول في دعاوى قضائية».
في اتصال مع «الأخبار»، أكد حرفوش المحسوب على التيار الوطني الحر، أنه سيقف ضد المشروع «مهما كانت الضغوط السياسية»، مشيراً إلى أن رؤساء البلديات سيبدأون بجولة على المسؤولين لعرض القضية، بدءاً من رئيس الجمهورية ميشال عون.