في الملف الحكومي، توافق رئاسي متجدد على «ضرورة الإسراع» في التشكيل وتكثيف مرتقب للاتصالات من قبل رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة مع مختلف الأفرقاء في محاولة لتذليل آخر العقبات التي لا تزال تعترض طريق التأليف. أما في «ملف الساعة» الذي طغى بقوة على الساحتين الإقليمية والداخلية تحت وطأة الاندفاعة الروسية لتولي عملية إعادة النازحين السوريين إلى وطنهم، فعنوان عريض تصدّر هذا الملف في ضوء زيارة الموفد الرئاسي الروسي إلى بيروت وهو يتمحور بشكل أساس حول تقديم موسكو الضمانات الأمنية اللازمة لتأمين شروط «العودة الآمنة» للنازحين بالتنسيق التام مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة، الأمر الذي قابلته الدولة اللبنانية بالترحيب والتجاوب مع المقترحات الروسية لمُعالجة أزمة النزوح، وسط تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون جهوزية لبنان للتعاون مع هذه المقترحات و«استعداده لتقديم المساعدة اللازمة لتنفيذها» ضمن إطار المشاركة اللبنانية في اللجان المشتركة المُزمع تشكيلها لهذه الغاية.
وإثر اجتماع الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا مع الموفد الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرينتييف على رأس وفد ديبلوماسي وعسكري روسي رفيع، أفادت مصادر المجتمعين لـ«المستقبل» أنّ الاقتراح الروسي المُرسل إلى الجانب الأميركي بخصوص تنظيم عملية إعادة النازحين السوريين من دول الجوار وخصوصاً من لبنان والأردن، إنما يلحظ من ضمن بنوده مسألة تمويل إعادة ترميم البنى التحتية في سوريا والكلفة المُقدّرة لذلك في إطار تحث من خلاله موسكو المجتمع الدولي على المساهمة في إعادة إعمار سوريا. وأوضحت المصادر في ما خصّ خارطة الطريق الروسية المُقترحة لإعادة النازحين أنّ الاقتراح يُسجّل وجود 6 ملايين وتسعماية ألف نازح في 45 دولة، مبدياً الاستعداد للعمل «على مراحل» لإعادة 890 ألف نازح من لبنان و750 ألفاً من باقي دول النزوح وهم يتوزعون على الشكل التالي: 300 ألف من تركيا، 150 ألفاً من الأردن، 100 ألف من العراق ومصر، ونحو 200 ألف من أوروبا.
أما المراكز المُخصصة لاستقبال النازحين، فحدّدها الاقتراح الروسي بـ7 وهي أبوالضهور، السلخانية، معبر النصيب، الزمراني (لبنان)، البوكمال، دير الزور ودرعا، على أن يبدأ العمل بدايةً من النصيب والزمراني، بحيث تتولى القيادة الخاصة الروسية (التي تم تشكيلها من وزارتي الدفاع والخارجية وعدد من الأجهزة الأمنية) تأمين التجهيزات اللازمة في هذه المراكز لاستقبال النازحين العائدين وتوفير الخدمات اللازمة لهم، وسط تأكيد المصادر أنّ الجانب الروسي يلتزم في اقتراحه تواجد «الشرطة الروسية» عند كل مركز عبور للإشراف على عملية انتقال النازحين إلى الداخل السوري.
الحريري يُرحّب
وكان رئيس الحكومة المكلّف قد عقد اجتماعاً مع الوفد الروسي برئاسة لافرينتييف في بيت الوسط، فكان ترحيب من الرئيس المكلّف بالتحرك الروسي، مؤكداً على أهمية توفير مقومات النجاح للمقترحات الخاصة بعودة النازحين، وضرورة تكاملها مع الجهد الذي تقوم به الأمم المتحدة، ومسؤولية المجتمع الدولي والجانب الروسي تحديداً بتأمين الضمانات المطلوبة للعودة الآمنة والكريمة.
وأوضحت مصادر المجتمعين لـ«المستقبل» أنّ الجانب الروسي سلّم الرئيس المكلّف «ملفاً متكاملاً حول مقترحات إعادة النازحين السوريين، وهو يتضمن خرائط وصوراً للمناطق المنوي استخدامها لإيواء العائدين إلى سوريا»، مشيرةً في المقابل إلى أنّ الحريري طرح أمام الوفد سلسلة أسئلة عن دور مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعما إذا كان الجانب الروسي قد تلقى أجوبة من الولايات المتحدة الأميركية على هذه المقترحات، وما إذا كان هناك اتصال مع الأوروبيين حول هذا الموضوع؟ بالإضافة إلى استفساره عن الجواب الذي تلقاه الوفد الروسي من القيادة الأردنية وعن الضمانات المُتعلقة بتوفير ظروف العودة الآمنة للنازحين.
وإزاء هذه الأسئلة، لفتت المصادر إلى أنّ معظم أجوبة الوفد الروسي تمحور حول التأكيد على كون «الأمور لا تزال في طور النقاش مع الدول المعنية»، وسط التشديد على وجود «تعهدات من موسكو ومن السلطات السورية بتأمين شروط العودة الآمنة» للنازحين السوريين.
.. وبري مرتاح
في الغضون، نقلت أوساط عين التينة لـ«المستقبل» ارتياح رئيس مجلس النواب نبيه بري للمقترحات الروسية الهادفة إلى إعادة النازحين، معتبراً أنّ «موسكو لديها تفويض عالمي بحل أزمة النزوح»، وأنّ الدور الروسي في هذا المجال «مرتبط حكماً بعملية إعادة إعمار سوريا ربطاً بالحاجة المُتلازمة بين تأمين عودة النازحين وبين تأمين ظروف إيوائهم ووسائل الحياة الكريمة لهم».
وإذ وصف أجواء اجتماع الرؤساء الثلاثة في بعبدا بـ«الجيد جداً»، لفت بري رداً على بعض الاستفسارات إلى أنّ اللجنة اللبنانية التي ستنضم إلى اللجنة المُشتركة المعنية بإعادة النازحين ستكون تحت إشراف رئيس الحكومة، مؤكداً في الوقت عينه أنّ «كل الأطراف اللبنانية سيكونون داعمين لهذا المشروع باعتباره يؤمن مصلحة وطنية للجميع».