كتبت ايلده الغصين في صحيفة “الأخبار”:
«كيكي دو يو لوف مي؟…» على وقع هذه الأغنية يترجّل السائقون أو الجالسون بجانبهم من سياراتهم ويصوّرون أنفسهم يرقصون بجانب المركبة وهي في وضعية السير، كلّ ذلك بهدف نشر الفيديو عبر مواقع التواصل وإرفاقه بالوسوم الخاصّة بالأغنيّة والتحدّي المرافق لها: «كيكي تشالنج». الظاهرة بدأت مع الكوميدي «شيغي» ورقصة «do the shiggy»، على أغنية «In my feelings» للمغنّي الكندي دريك، وانتشرت لاحقاً عبر مواقع التواصل وحطّت رحالها، بالطبع، في لبنان.
انحرفت ظواهر عدة عن أهدافها لدى وصولها إلى بلادنا، مثل تحدّي «دلو الثلج» الذي كان الهدف منه التوعية حول مرض التصلّب الجانبي الضموري وجمع التبرّعات. لكنّ «تحدّي كيكي» لم يحمل راية توعويّة في الأساس. من الممثل الأميركي ويل سميث إلى اللبناني وسام صباغ، والغرامات الرادعة التي فرضتها مصر والإمارات، تنتشر مقاطع فيديو بشكل متواتر حول العالم لمشاهير وشباب يقومون بالتحدّي. بعض تلك الفيديوات عنيف ويظهر الخطر الحقيقي الذي يشكّله الـ«تشالنج» على منفّذيه والسلامة العامة، بحيث يُقذف المنفّذون خارج سياراتهم أو يصطدمون بالعوائق أو تصدمهم مركبات أخرى.
تقليد الممارسات واستيرادها بشكل عفوي من مصادرها الخارجية، يصفه الطبيب النفسي والباحث في علم سلوك الدماغ أنطوان سعد بـ«السلوك المرضي الذي تمرّ به مجموعات بشريّة غير مستقرّة نفسياً». وهذا ينطبق على الشعب اللبناني بحسب سعد، «حيث يعيش الفرد منه على المظاهر والفراغ ويسعى إلى إرضاء الآخرين ولفت انتباههم لوجوده حتى ولو عرّضه ذلك أو المحيطين به للخطر». في حين تمنح هذه التحديات «الشعور بالامتلاء الذاتي» وسط الفراغ الذي نعيشه، فإن تسميتها بالتحدّي (تشالنج) توحي بأن من يقوم بها «قويّ»، وتالياً «نحن بحاجة لنبرهن أننا أقوياء». ومع أن راشدين وكباراً انخرطوا في التحدّي، فإن هذا التعويض عن «الفراغ الداخلي» عبر مجازفات خطرة يصيب عادةً المراهقين. ويشرح سعد «أن المراهقين أكثر عرضة للسلوكيات المرتبطة بالمخاطرة، ولذلك علاقة بعدم اكتمال النضوج على مستوى قشرة الدماغ وتمييز الخطر من عدمه». التماهي المتزايد مع التحديّات التي تنتشر في الخارج له صلة، بحسب سعد، بالحاجة إلى «تقليد التطوّر» الذي نراه قادماً مما هو «افرنجي» بمعنى «إضاعة الهويّة الخاصة والتمثّل بصاحب هويّة أجنبية». طبعاً، يندرج الشعور بالانتماء إلى مجموعات (تقوم بهذا التحدي أو ذاك) ضمن الأسباب الأساسيّة للانخراط السريع في الظواهر. إلى ذلك يرفع هذا النوع من التحديّات علميّاً من منسوب هرمون الدوبامين في الجسم أو هرمون السعادة والشعور باللذة، وهنا يشرح سعد مرحلتين: «أن يتخيّل الفرد نفسه يقوم بالتحدّي، ثم حاجته لأن يراه الآخرون يقوم بتنفيذه»، وهذا ما ينتج عنه «الشعور المضاعف بالمكافأة» بسبب الدوبامين نفسه.
وعلى أثر تداول مقاطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر قيام شباب لبنانيين بتنفيذ الـ«كيكي تشالنج»، أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بياناً طلبت فيه من السائقين عدم ارتكاب هذه المخالفة التي تشكل خطراً على حياتهم والسلامة العامة، مشدّدة على «أنها لن تتوانى عن اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين». وبما أن الظواهر الجديدة لا يمكن أن تكون لها نصوص قانونية خاصة بها، فإن مواد مختلفة في قانون السير رقم 243/ 2012 تنطبق مخالفتها على هذا التحدّي، منها المادة 25، في بندها الثاني الذي ينصّ على أن «القيام بعمليات وحركات ومناورات ذات خطورة أثناء القيادة» يعدّ مخالفة من الفئة الخامسة، أي تتراوح غرامتها من مليون إلى 3 ملايين وتبدأ عقوبتها بالسجن من شهر إلى سنتين بحسب حكم القاضي المعني. كذلك يحظّر البند الثاني من المادة 16 من القانون المذكور من «أن يتعلق أيّ كان بأجزاء المركبة الخارجية ويصعد إلى المركبة أو ينزل منها وهي في حالة السير»، ومخالفة المادة تعدّ من الفئة الثالثة وتتراوح قيمة المخالفة بين 200 ألف ليرة و350 ألفاً. وتشير المادة 62 إلى «أنه يحظّر على السيارات أن تتجوّل (…) مفتوحة الأبواب أو الغطاء» وتندرج ضمن مخالفات السير من الفئة الثانية. والمواد 16 و25 و62 متعلّقة بالسلامة العامة وعرقلة السير وليس فقط بسلامة صاحب السيارة المخالفة وحده، فيما يبقى التقييم النهائي للعنصر الأمني الذي يقوم بتسطير محضر الضبط.
حتى الآن لم تسجّل، بحسب شركات التأمين وقوى الأمن الداخلي، أي حوادث ناجمة عن «تحدّي كيكي»، أو الأصحّ لم يتمّ التصريح من قبل المواطنين بأي حادث من هذا النوع. لكن المراوغة واردة في التصريح بالأسباب، وهذا ما يتوجّس منه بعض شركات التأمين التي تعتبر «التحدّي» مخالفاً للقانون ويجب ألاّ تشمله البوالص.