كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: لم يتبدّل المَشهد أمس في بيروت التي استمرّت أسيرة «الشيء وعكسْه» في مقاربة مسار تأليف الحكومة الجديدة، وسط أجواء تشيع بإمكان ولادتها خلال أيام معدودة وربما قبل عيد الجيش في الأول من أغسطس المقبل، في مقابلِ مناخٍ يشي بأن «رياح التفاؤل» هي أقرب إلى بناء «قصور من رمل» لأن العقد باتت في سياق «حروب باردة» بين قوى سياسية وطائفية وبعضها يرتبط في جوانب منه بملاقاة التحولات الاقليمية، لا سيما في سورية.
وما إن عاد رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل بعد ظهر أمس الى بيروت من واشنطن، حتى اتجهتْ الأنظار إلى لقائه المرتقب مع الرئيس المكلّف سعد الحريري من ضمن جولة الاتصالات التي يُجرْيها الأخير مع الأطراف السياسية حول الدينامية الجديدة التي أطلقتْها زيارة الحريري لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون (الأربعاء) في ما خص تذليل العقد الرئيسية التي ما زالت تحول دون تشكيل الحكومة.
وتتعاطى الأوساط السياسية في بيروت مع عودة باسيل على أنها ستشكّل الاختبار الفعلي لمجمل المناخ الذي ساد في اليومين الماضييْن وأوحى بأن تأليف الحكومة «صار أقرب من أي وقت»، في ضوء ما قيل عن مرونة تعاطى بها عون بإزاء عقدتيْ تمثيل «القوات اللبنانية» لجهة عدم ممانعة توزير 4 من حصتها، وتمثيل «الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط بثلاثة وزراء.
وفي رأي هذه الأوساط ان «ساعة الحقيقة» في «جولة التفاؤل» الجديدة اقتربت، لا سيما أن عون كان ترك أمر البت النهائي بحصتيْ «القوات» و«التقدمي» للمشاورات التي سيجريها الحريري مع باسيل باعتبار أن الأخير تَمسك قبل مغادرته بيروت الى واشنطن بأن حجم «القوات» النيابي لا يتيح لها الحصول على أكثر من 3 وزراء وإلا اقتضى تمثيل تكتل «لبنان القوي» بـ 8 وزراء لوحده (من دون حصة رئيس الجمهورية)، كما أصرّ على أن جنبلاط لا يمكن أن يختزل التمثيل الدرزي متشبثاً بتوزير النائب طلال إرسلان.
وتعاطتْ الأوساط نفسها مع الساعات المقبلة بأنها حاسمة لجهة تحديد «الخيط الأبيض من الأسود» في الملف الحكومي، معتبرة أن أي إصرار من باسيل على عدم ملاقاة مرونة عون لجهة توزير 4 من حصة «القوات» كحلّ وسط بين إصرار الأخيرة على 5 وزراء ورفْض رئيس «التيار الحر» تمثيلها بأكثر من 3، كما أن أي تَمَسُّك منه بتوزير إرسلان سيعني أن لا حكومة في المدى المنظور وأن رئيس الجمهورية أراد من انفتاحه على صيغٍ تسْووية إبعاد نفسه عن التحوّل طرفاً في «المعركة» مع كل من «القوات» و«التقدمي».
وقبيل عودة باسيل، كانت أجواء «التقدمي» تشير الى أنه «صامد» عند مطلب حصْر التمثيل الدرزي به، من دون أن يُعرف إذا كان ذلك في إطار الإبقاء على سقف التفاوض مرتفعاً تمهيداً لإمكان البحث في صيغةِ ان يكون الوزير الدرزي الثالث (غير ارسلان) تَشارُكياً مع «التيار الحر». علماً أن بعض الدوائر رأت ان جنبلاط، الذي كان رَبط هجوم ارسلان الناري عليه بما «يخطط له بشار أو ماهر أو المملوك»، يرغب في ملاقاة «نجاة» الرئيس السوري من الأزمة في بلاده بالإمساك بكامل الحصة الدرزية حكومياً بعدما استشعر محاولة لإحداث دفرسوار داخل طائفته، معتبرة أنه قد يزداد تصلُّباً بعد «طوفان الدم» في السويداء.
وفي موازاة الدينامية الداخلية في الملف الحكومي، لم تغِب «العين» الخارجية عن هذا الاستحقاق انطلاقاً من عنوان عريض رسمه المجتمع الدولي ويقوم على ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية متوازنة تلتزم سياسة النأي بالنفس وتحترم الشرعيتين العربية والدولية وتضع على السكة ملف سلاح «حزب الله» في إطار الحوار حول الاستراتيجية الوطنية للدفاع.
وبرز في هذا السياق تطوران: الأول لقاء باسيل في واشنطن مع نائب وزير الخارجية الأميركي جون سليفان حيث تناول البحث (وفق الخارجية الأميركية) «الجهود لتشكيل الحكومة والقلق الكبير للولايات المتّحدة من دور»حزب الله«في لبنان والمنطقة وتهديده الاستقرار الاقليمي»، مع تأكيد سليفان «ضرورة تقيّد كل الأطراف اللبنانيّين بالتزامات لبنان الدوليّة والكف عن خرق سياسة النأي بالنفس».
والتطور الثاني إبلاغ ممثلة الأمين العام للامم المتحدة في لبنان بيرنيل كارديل الى الرئيس عون أجواء مداولات مجلس الأمن الدولي حول التقرير عن تنفيذ القرار 1701، حيث أكدت «أن الامم المتحدة ملتزمة الشراكة الكاملة مع لبنان للمحافظة على استقراره وابقائه بمنأى عن التطورات التي تجري في محيطه».
وذكّرت كارديل، التي كان نُقل عن رئيس البرلمان نبيه بري أنه وضع x (اكس) على اسمها ومنَعَها من دخول مقرّه في عين التينة «لأنها تتماهى مع السياسة الاسرائيلة على حساب حقوقنا وحدودنا»، بتشجيع رئيس مجلس الأمن الدولي «على الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة»، وإشادته «بدور الجيش اللبناني وضرورة تطوير قدراته لبسط سلطته على كافة الأراضي اللبنانية».
من جهته، أعرب عون، الذي كان أبرق للرئيس السوري بشار الأسد مُعزّياً بمجزرة السويداء، أمام كارديل عن أمله «في أن تلقى المبادرة الروسية في إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، دعم الأمم المتحدة، لوضع حد لمعاناة هؤلاء النازحين، لاسيما أولئك المنتشرين في المناطق اللبنانية»، معلناً «ان لبنان رحّب بالمبادرة الروسية التي تم التطرق اليها خلال قمة هلسنكي وهي تؤمّن عودة نحو 890 ألف سوري من لبنان الى بلادهم، وان لبنان سيشكّل من جانبه لجنة للتنسيق مع المسؤولين الروس المكلفين لهذه الغاية، وذلك لدرس التفاصيل التقنية المتعلقة بآلية العودة».
وفي سياق غير بعيد، بحث الرئيس اللبناني موضوع المبادرة الروسية، التي كانت محور زيارة الوفد الروسي الرفيع المستوى لبيروت أول من أمس، مع السفير الفرنسي برونو فوشيه، كما جرى التطرق الى الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان في بداية السنة المقبلة، وفق بيان القصر الرئاسي.