كتبت رولا عبدالله في صحيفة “المستقبل”:
تعود محال ألعاب القمار إلى الواجهة متمددة بين المباني السكنية ودور العبادة والمؤسسات التربوية، ضاربة عرض الحائط بالقانون اللبناني الصادر في الخمسينات، والذي يرخص لنادٍ وحيد على السواحل البحرية اللبنانية هو كازينو لبنان، وعلى مسافة لا تقل عن كيلومتر ونصف الكيلومتر عن المراكز الآهلة، مستفيدة من القانون الأخير رقم 563 الذي بدّل في تسميتها من «ألعاب القمار والميسر» إلى «ألعاب التسلية»، بما ينعكس سلباً على المجتمع اللبناني الذي تنهشه آفات بينها المخدرات والدعارة وألعاب البوكر وكلها تنمو في أوكار خارج الرقابة مستهدفة الفئة الشابة، فكانت صرخة أطلقتها بلدية الدكوانة وجهات مساندة نحو غد يتطلع إلى بلدة «نموذجية» لا تشبه يوماً «لاس فيغاس».
وفي الشق الاقتصادي، ينعكس تنامي مثل تلك المحال بأعداد كبيرة سلباً على الدولة اللبنانية باعتبارها شريكة في نصف أرباح الكازينو، ومُلزمة بالتحرك من أجل أن لا تفلت رقابة وحصرية ألعاب الميسر من الكازينو إلى كل من نجح في شراء ماكينة بوكر وغيرها، وهو الأمر الذي يُحذّر منه رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري مقارناً بين ما يدفعه الكازينو للدولة بمعدل 40 مليون دولار في السنة مقابل مليون ليرة تدفعها المحال الصغيرة طمعاً في استجلاب كل من تراوده نفسه في الغرق في شباك «عنكبوت» القمار، لافتاً إلى وجود نحو 1400 موظف وألف كاميرا في خدمة الزبائن وإلى منع دخول من هم دون السن القانوني.
الكازينو
وأوضح رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري لـ«المستقبل» أهمية أن تضع الدولة يدها على ملف القمار غير الشرعي على اعتبار أن حصرية ألعاب الميسر هي امتياز لكازينو لبنان بموجب العقد الموقع مع الدولة اللبنانية. وإلى الجانب القانوني والخسارة المالية التي تتكبدها الدولة والكازينو معاً في ظل الانتشار الموسع لمثل تلك المحال، فإن الخطر الحقيقي يتمثل في الجانب الاجتماعي حيث المجتمع الموبوء وحيث لا رقابة ولا أحد يعلم ماذا يجري في مثل تلك المحال التي تسمح بدخول القصّار إليها، في حين أن الأمر مختلف في الكازينو إذ توجد نحو ألف كاميرا مزروعة في مختلف الأنحاء وهناك أمن وانضباط وتفتيش وزبائن معروفين وقوانين يجري الالتزام بها وصيانة دورية للـ600 ماكينة، وعلى الأخيرة يدفع الكازينو نحو 40 مليون دولار للدولة على أمل أن يجري ضبط الأمور المتفلتة وينجح الكازينو في الانتقال إلى النهضة المرسومة له في العام 2050، فلا يكون هناك طرف مغبون ولا استغلال من قبل طرف ثالث بما يجعل ألعاب الميسر مدخلاً إلى آفات المجتمع بدلاً من أن تكون وسيلة للتسلية.
تجربة حياة
في الدكوانة، أعلنت البلدية الحرب على معاقل القمار غير الشرعي من جديد قبل أيام، مرفقة بصرخة أطلقها ابن الدكوانة البير شدياق علّها تصل إلى كل شاب تراوده نفسه الانزلاق إلى أوكار القمار من بوابة الأمل بالحظ الذي يمكن أن يصيب مرة ويخيب عشرات المرات مخلفاً نفوساً محطمة وعائلات مفككة وجرائم سلب وقتل ومخدرات والآتي أعظم ما لم يكن الرادع الداخلي أقوى من مغريات البوكر وألعاب الماكينات التي تدوّر حيوات الآخرين، تدوّخهم، ثم تتركهم شظايا ونكرة ونتفاً لا ينفع معها إعادة التدوير أو الاستعمال من جديد.
توجز شهادة ألبير خلال الندوة التي نظمتها بلدية الدكوانة تحت عنوان «معضلة تفشي ألعاب القمار وضررها على المجتمع ومالية الدولة»، بحضور رسمي وأمني وديني وإعلامي في جامعة الـAUL في الدكوانة، أحوال المقامرين الذين أغوتهم ألعاب القمار بداية بدافعي التسلية والربح السريع، فإذا بهم يلفظون على قارعة الطرقات تماماً كما حصل معه هو الذي كان يملك محل ميكانيك لتصليح السيارات، ويشغّل بين يديه العديد من الشباب، إلى حين أغوته لعبة البوكر في محل صغير مجاور لعمله. بدأ اللعب بـ300 ألف، ومن ثمّ تدرج الرقم إلى 500 ألف، وارتفع إلى 900 ألف، وحين احتدم اللعب بلغ ثلاثة آلاف دولار، ومن ثم تسعة آلاف دولار.. وكرت سبحة الديون ليحصل على قرض من البنك تبعه قرض آخر، ومن بعدهما باع سيارته ومورد رزقه وأخذ يتحايل على الرفاق ومن لا تربطه بهم معرفة سابقة للاستدانة.
وحين سُدت كل الطرق في وجهه بات غير قادر على شراء الدواء، فتوجه إلى كاريتاس يستجديه، ومن العائلة يستجدي قوته اليومي، ليخسر نتيجة تراكم خسائره كل من حوله ويغدو عامل «سيكيورتي» متخم بالأمراض التي ألمت به. يحكي ألبير: «من يُقامر من السهل عليه أن يبيع عائلته وحياته وأملاكه ويغدو نصاباً محتالاً فاقداً للضمير، وهو الحال الذي بلغته قبل أن أتدارك أحوالي وأستيقظ على واقع مؤلم لا ينفع معه الندم وإنما العمل على مدار 24 ساعة لسداد ما أمكن من الديون».
ندوة
وعرض رئيس بلدية الدكوانة أنطوان شختورة المسار القانوني الذي اتبعته البلدية من أجل إقفال محال القمار بسبب ضررها الجسيم على المجتمع اللبناني، مطالباً بإلغاء القرار رقم 563 الذي شرع القمار تحت مسمى «ألعاب التسلية». وأشار بصفته محامٍ مختص في قضايا الأحوال الشخصية، إلى ارتفاع حالات الطلاق لدى الشباب الذين يلعبون القمار والبوكر، إضافة إلى كون تلك الألعاب المدخل الرئيسي إلى أوكار الدعارة وتعاطي المخدرات والسرقة، لافتاً إلى منع القانون اللبناني الصادر سنة 1944 ألعاب القمار، وحدد عقوبة من يتولاها أو ينظمها أو يُشارك بها. وفي 4/8/1954 صدر قانون تحت عنوان «قمار – مرابحة – مراهنات»، نصت المادة الأولى منه على ما حرفيته: «يرخص باستثمار نادٍ وحيد على السواحل البحرية اللبنانية وفي مكان لا يبعد أكثر من خمسة كيلو مترات على خط مستقيم من الشاطئ، وعلى مسافة لا تقل عن كيلو متر ونصف عن المراكز الآهلة شرط أن يبعد عن بيروت وطرابلس وصيدا مسافة لا تقل عن 15 كيلومتراً على خط مستقيم».
وأوضح شختورة أن المادة 632 من قانون العقوبات اللبناني عرفت ألعاب القمار بأنها التي «يتسلط فيها الحظ على المهارة والفطنة». وعددت المادة المذكورة بعض ألعاب المقامرة مثل الروليت والبكارا والفرعون وpetits chevaux والبوكر المكشوف، كذلك ما يتفرع عنها بصورة عامة. كذلك نصت المادة 633 على ما حرفيته «إن كل من تولى محلاً أو نظم ألعاب مقامرة ممنوعة سواء في محل عام أو مباح للجمهور أو في منزل خاص اتخذ لهذه الغاية، كذلك الصُرّاف ومعاونوهم (Les banquiers et les groupiers) والمدراء والعمال والمستخدمون الذين يعملون في أو لصالح الأماكن المذكورة.. ويمكن إقفال المحال التي تُمارس فيها المقامرة، وتصادر الاشياء التي نتجت عن الجرم، أو استعملت أو كانت مُعدة لارتكابه والأثاث وسائر الأشياء المنقولة التي فرش بها المكان وزيِّن بها». وفي 14 آذار 1994 صدر القانون /320/ الذي قضى بالترخيص لشركة كازينو لبنان باستثمار نادي القمار في المعاملتين.
وفي 15 أيار 1995 صدر القانون رقم /417/، وقضى بمنح شركة كازينو لبنان حقاً حصرياً باستثمار ألعاب القمار على الأراضي اللبنانية. وفي 29 حزيران 1995 صدر القانون 6919 الذي حدد شروط هذا الاستثمار ومدته. وفي سنة 1961 صدر قانون اعتبر آلات اللعب الكهربائية وغير الكهربائية التي تُدار آلياً أو بأية وسيلة أخرى ألعاب قمار ممنوعة.
وأشار شختورة إلى أنه ليس بريئاً أن تنمو مثل تلك الظواهر الشاذة عن عادات ونسيج المجتمع اللبناني تحت مسمى ألعاب التسلية والترفيه في الدكوانة والحازمية وفرن الشباك وجونية والمعاملتيبن، متغلغلة في الأحياء التي تزدحم فيها المباني الدينية والتربوية والسكنية، مؤكداً بأن الدكوانة لن تكون يوماً «لاس فيغاس» لبنان، وإنما بلدة نموذجية تنادي بالعيش الكريم والمحبة والألفة بين أبناء الوطن.
وكشف النائب إدغار معلوف من خلال خبرته السابقة كنائب مدير كازينو لبنان، إلى أن الكازينو بصدد التحرك قريباً من أجل محاربة آفة انتشار ألعاب محال الميسر غير الشرعي على مختلف الأراضي اللبنانية والمطالبة بحقوقه المهدورة، لافتاً إلى خطورة هذه الآفة التي باتت تهدد المجتمع اللبناني، ومحملاً في الوقت نفسه الدولة اللبنانية المسؤولية نحو استعادة زمام الأمور وضبط مداخيلها ومصالحها باعتبارها شريكة الكازينو.
وتحدث المعلوف عن الخسائر التي تتكبدها مالية الدولة من جراء تفشي هذه المحال وعدم حصر ألعاب القمار في مؤسسة كازينو لبنان، مبيناً أن محال القمار تدفع ضريبة سنوية مقدارها مليون ليرة لبنانية في حين يدفع الكازينو للدولة 50 في المئة من أرباحه، أي نحو مليار ليرة سنوية عن كل ماكينة.
وأسف نقيب المحامين السابق أنطونيو الهاشم كون لبنان بلد القوانين والتشريعات في المقياس العالمي، إلا أنه من أتعس البلدان في تنفيذ تلك القوانين، متسائلاً: أين نحن من المدنية التي تصلح المجتمع وتمنع المقامرة بحياة المواطن؟
وتحدث الأب ابراهيم سروج عن آفة القمار منطلقاً من الألفاظ: «قمر» وقامر ويقامر وجميع مشتقاتها تأخذ إلى الخسارة والغلبة، موضحاً إلى أنه على الرغم من عدم وجود ألفاظ من مثل الميسر والقمار في الكتاب المقدس، فإنها لا شك محرمة كونها تتعارض مع المبادئ والمثل الإنسانية التي تنادي بها الأديان من أجل تحصين الإنسان. وسأل: هل الكنيسة مسؤولة حيال صمتها؟، مناشداً العودة إلى الإيمان والصدق والنقاء الداخلي والبهاء وجميعها مُثل لا تتماشى مع ما تنادي إليه آفات منتشرة في المجتمع من مثل القمار وغيرها، الأمر الذي يحتم أن ترفع الكنائس الصوت متماشية مع: «من رأى منكم منكراً فليقومه».
«جاد».. والقمار الافتراضي
وتحدث رئيس جمعية «جاد» لمكافحة المخدرات جوزف الحواط عن إدمان القمار الذي لا يقل خطورة عن الإدمان على المخدرات، الأمر الذي دفع الجمعية إلى إدراجه ضمن أولوياته واعتبار المدمن على القمار مريضاً بحاجة إلى مساعدة. وخلال الندوة وزعت الجمعية بطاقة تبيّن فيها مفهوم الإدمان باعتباره: «مثله مثل إدمان التدخين أو المخدرات، وهو الإفراط في فعل ما بصورة متكررة في حياة الشخص لدرجة أنه لا يستطيع التخلي عنها، وهذا الإفراط يؤثر بالسلب على نواحي حياة الإنسان المختلفة سواء الصحية أو الاجتماعية أو المادية».
كما حذرت من خطورة إدمان ألعاب القمار على الإنترنت في كون ألعاب الكازينو لا تخلو من المتعة والإثارة التي تنقل من العالم الواقعي إلى عالم افتراضي كله إثارة ومغامرة. وهذا العالم الافتراضي بكل ما فيه من إثارة وتحفيز يخطف المرء من عالمه فيبدأ في الهروب من واجباته والتزاماته نحو أسرته بصورة تخلق نوعاً من الخلل وتشوه العلاقات بين مدمن ألعاب الكازينو أون لاين وبين أفراد عائلته. ومن الناحية القانونية، قد يتأخر الحظ ولا يأتي حتى يخسر اللاعب كل ما يملك من مال بصورة قد تدفعه إلى إنفاق المال الضروري للحياة العادية على ألعاب القمار على أمل أن يحالفه الحظ ويحقق الجائزة.
واختصرت كيفية التخلص من الإدمان على القمار في ست خطوات: «معرفة أن القمار حرام في جميع الشرائع السماوية، معرفة السبب الذي من أجله يقامر هؤلاء الأشخاص للبحث عن بدائل، تذكر أن المال من حق العائلة والأولاد، شغل النفس بجدول يومي ليس فيه متسع لألعاب القمار، تذكر الأضرار الاجتماعية الناجمة عن القمار، والعلاج من خلال الاستعانة بطبيب متخصص في علاج حالات الإدمان».
كما حددت ثلاثة أسئلة يمكن من خلالها التعرف على مدمن القمار: «هل تفكر دائماً وتنتظر بفارغ الصبر وقت لعب القمار؟ هل تتخطى دائماً الوقت الذي حددته لنفسك للتوقف عن اللعب؟ هل تشعر بسعادة وراحة خلال وقت ممارستك لعب القمار؟». وفي حال الإجابة بـ«نعم»، تمنت جمعية «جاد» التبليغ عن الحالة أو الاتصال بمكتب مكافحة القمار في الجمعية على الرقم (01740925) من أجل تقديم المساعدة.