كتبت صحيفة “الأخبار”:
كل المناخات التي تعمّد الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري ضخّها في الأيام الأخيرة، عن قرب ولادة الحكومة قبل عيد الجيش في الأول من آب، ذهبت أدراج الرياح. ثمة «هبة ساخنة» آتية هذه المرة من عند رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي قرر مغادرة المربع الذي حشر نفسه أو حشره فيه الآخرون. تأليف الحكومة من صلاحية الرئيس المكلف، وإذا كان عنده أي جديد فأنا مستعد للتواصل معه.
عند هذا الحد، يبدو أن الأمور ذاهبة نحو التأزم، وبالتالي إطالة فترة التأليف، حتى إن أحد الوزراء المشاركين يومياً في الاتصالات على أكثر من خط، وهو ينتمي إلى فريق 14 آذار، جزم بأنه لا يرى حكومة جديدة قبل الرابع من تشرين الثاني المقبل، موعد فرض العقوبات الأميركية الجديدة على إيران.
في التفاصيل أنه قبلَ أيام من عودة باسيل من الولايات المتحدة، قدم الحريري صيغة حكومية جديدة إلى رئيس الجمهورية، وأرفقها ببدائل محتملة. خرج الحريري من اللقاء مروّجاً أجواءً إيجابية بإبداء عون مرونة حيال طروحاته. وفيما كان متوقعاً أن تترجم الأجواء الإيجابية بعيد عودة باسيل من واشنطن، تبيّن أن مسار التشكيل يتعقّد أكثر فأكثر. فرئيس تكتل «لبنان القوي» حسَم الأمر أمام من استفسر منه بالقول، أمس: «ليس لدي أي طرح، وتأليف الحكومة من صلاحيات الحريري وليس من صلاحياتي».
وفيما كان متوقعاً حصول لقاء بين باسيل والحريري فور عودة الأول، لا يبدو أن اجتماعاً قريباً سيحصل بينهما. المستقبليون يقولون إن «وزير الخارجية لم يطلب لقاء الحريري حتى الآن»، في مقابل رفض عوني تحميل باسيل المسؤولية، مؤكدين أن «الرجل لن يجتمع برئيس الحكومة إلا في حال كانت هناك صيغة جديدة»، وبالتالي، ما طرحه الحريري «مكانك راوح». وأشارت إلى أن «باسيل مصرّ على رأيه في ما يتعلّق بإعطاء القوات ثلاث حقائب وزارية، ومن يُرِد لها أربع حقائب، فليعطها من كيسه وليس من كيسنا».
أكثر من ذلك، علمت «الأخبار» أن اتصالاً حصل بين وزير الثقافة غطاس خوري والوزير السابق الياس بو صعب، بمبادرة من الأول، الذي طلب نقل رسالة إلى باسيل مفادها ضرورة تحديد موعد لزيارة يقوم بها إلى وادي أبو جميل لاستكمال البحث من عند النقطة التي انتهى إليها لقاء رئيس الجمهورية والحريري، منتصف الأسبوع الماضي. المفارقة أن نتيجة الاتصال كانت سلبية لجهة اشتراط باسيل أن يكون الحريري قد حقق خرقاً في العقدتين القواتية والجنبلاطية، حتى إن أحد المقرّبين من باسيل أشار إلى أن العقدة القواتية قابلة للحل «لكن السؤال هو كيف سيوفّق رئيس الحكومة بين مطالب جنبلاط من جهة ومطالب التيار الوطني الحر المتمسّك بنيل حليفه طلال أرسلان أحد المقاعد الدرزية الثلاثة؟
إزاء ذلك، علمت «الأخبار» أن الحريري طلب من فريقه الاستعداد لاحتمال انتقال جدول مواعيده من منزله في وادي أبو جميل إلى السراي الحكومي، في ظل المعطيات التي تشي بانسداد آفاق التأليف، وخصوصاً أن من سبقوه إلى رئاسة الحكومة، وتحديداً الرئيس تمام سلام والرئيس نجيب ميقاتي، بادرا إلى تصريف الأعمال من السراي.
وفي الوقت نفسه، علمت «الأخبار» أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أسرّ أمام أقرب معاونيه، ليل أمس، بأن مسار تأليف الحكومة يزداد تعقيداً، وطلب التشاور مع بعض كبار الدستوريين حول وجود موانع تحول دون مبادرة السلطة التشريعية إلى التشريع في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال. يأتي طلب بري في ضوء استشعاره أن فرصة تأليف الحكومة تبتعد يوماً بعد يوم، بعكس الأجواء التي أشيعت من بعبدا والحريري في الأيام الأخيرة.
وإذا كان من الصعب التقدير مسبقاً كيف ستكون مواقف القوى الأساسية في اليومين المقبلين، فمن غير المستبعد أن تنحو نحو التصعيد بعد انتهاء عيد الجيش، خصوصاً من قبل القوى الأساسية التي تتحمّل مسؤولية حل العقدتين الأساسيتين حكومياً، إلا إذا حصل تطور مفاجئ في الساعات الـ48 المقبلة، يعيد الأمور إلى نصابها.
في هذا السياق، ظل تيار المستقبل حريصاً حتى ليل أمس على التمسّك بمعطياته الإيجابية؛ فالحريري يراهن على الليونة التي تعاطى بها عون، مقدّراً أنها ستنسحب أيضاً على «الآخرين». ومن هنا ثمّة من يرى أن «باسيل إما أنه لا يريد الحلّ ويقف عائقاً أمام تشكيل الحكومة، وإما أن هناك توزيع أدوار بينه وبين وعون للضغط على باقي الأطراف».
في مقابل تفاؤل الحريري وتمسّك باسيل بموقفه، لم يتبلغ كل من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي أيّ جديد على صعيد الحكومة. تُصر مصادرهما على القول إن «كل شي واقف لأن جبران (باسيل) معنّد»، فيما أكدت مصادر لصيقة بالتشكيل الحكومي أن عون أكد للحريري أن لا مانع لديه من إعطاء وزيرين درزيين لجنبلاط، على أن يسمّى الوزير الدرزي الثالث بالتشاور بين جنبلاط وعون». كما أنه «وافق على إعطاء القوات 4 حقائب وزارية، على أن يتمّ الاتفاق مع باسيل على توزيع هذه الحقائب».
وتضيف المصادر أن «عون قال إن كانت القوات تريد موقع نائب رئيس الحكومة، فالموضوع عندي». وبحسب المصادر، فإن «القوات لم تطالب سوى بالحصّة التي تتوافق مع المعيار الذي وضعه باسيل. وهو أن لكل 4 نواب وزير». وحتى المعيار الذي جرى التداول به، وهو النسبة المئوية للصوت المسيحي «فهو يتيح للقوات الحاصلة على نسبة 31 في المئة في الانتخابات، نيل حصة خمسة وزراء، أي ثلث حصة المسيحيين في الحكومة». وبناءً على هذا المعيار، «تتوزع المقاعد العشرة المتبقية بالتساوي بين رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، لأن نواب التكتّل هم ليسوا من صلب التيار، بل هم نواب العهد كما قال عدد منهم».
من جهة أخرى، وفي سياق ملف عودة النازحين، أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، خلال جولته في مركز انطلاق النازحين في شبعا (بالتزامن مع مغادرة دفعة جديدة منهم إلى سوريا عبر بوابة المصنع)، أن الفترة المقبلة «ستشهد عودة مئات آلاف النازحين من لبنان الى ديارهم بالتنسيق بيننا وبين الروس»، ودعا النازحين الى «التوجه بكثافة الى مراكز الأمن العام في كافة المناطق اللبنانية لتسجيل أسمائهم، ومن جهتنا نسعى دائماً لتسهيل عودة آمنة للجميع، كما نعمل على حل أيّ إشكالات تواجههم مع السلطات السورية حتى يعود هؤلاء بكل راحة وطمأنينة».