Site icon IMLebanon

“تَخَنْدُقٌ” ومناوراتٌ و”كمائن” على جبهة تشكيل الحكومة في لبنان

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

أكدتْ تطوراتُ الساعاتِ الماضية في لبنان المؤكَّد لجهة أن تشكيل الحكومة الجديدة يُراوِح في المأزق، وأن «هبّاتِ التفاؤل» التي تُشاع بين الحين والآخر ليست سوى مناوراتٍ في سياق محاولةِ كل طرفٍ رمي كرةِ المسؤولية عن استمرارِ التعقيدات في ملعبِ الآخَر، ليَبْقى هذا الملف مفْتوحاً على لعبة «عضّ أصابع» يصْعب التكهّن بنهاياتها.

ولم يتطلّب الأمر أكثر من 3 أيام لتنكشف المناخاتُ التي جرى ضخّها حول ايجابياتٍ في مسار التأليف تضع الحكومة أمام احتمال ولادتها خلال أيام عن تفاؤل «مفتعَل» يشكل امتداداً لعملية «ليّ الأذرع» الدائرة في هذا الملف والتي يبدو واضحاً أنها باتت تدور بين حدّيْن: الأوّل الضغط لجلْب الرئيس المكلف سعد الحريري إلى حكومةٍ بتوازنات الانتخابات النيابية الأخيرة التي حقق فيها «حزب الله» وحلفاؤه وبينهم «التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية ميشال عون) انتصاراً واضحاً، كما بما يَعتبره هذا الفريق موازين جديدة أفْرزها الصراع في سورية والتسليم الخارجي ببقاء الرئيس بشار الأسد. والحدّ الثاني الدفْع لمحاولة إخراج الحريري من التكليف عبر سيناريواتٍ لم تعد خافية ويتحسّب لها زعيم «تيار المستقبل».

واستوقف أوساطاً سياسية في بيروت «الهجوم المضاد» من رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل بوجه ما اعتبره محاولة لرمي مسؤولية التأخير في بتّ التشكيلة الحكومية في ملعبه من باب ما قيل عن أن المناخ الايجابي الذي ساد اللقاء الأخير بين الرئيسيْن عون والحريري في القصر الجمهوري يوم الأربعاء يبقى رهناً باجتماع باسيل مع الرئيس المكلف.

ولم يكتفِ رئيس «التيار الحر» بإعلان ما مفاده ان لا حاجة للقاء مع الحريري، بل ذهب أبعد في ربْط أي جديد يقدّمه في ملف التأليف باعتماد الحريري المعيار الواحد في عملية التشكيل استناداً إلى نتائج الانتخابات وبعيداً من اي استنسابية، وهو ما كرره أمس بطريقة أكثر حدّة، إذ أعلن انه «بعد الانتخابات على أساس نسبي والاتفاق الوطني على حكومة وحدة وطنية لن تستطيع أي قوة، ولا سيما خارجية، أن تكسر إرادة اللبنانيين التي عبّروا عنها في الانتخابات بتمثيلٍ في الحكومة من دون غبن أو ظلم لأحد بل بتفاهم وطني كبير على أساس معايير واحدة».

وفيما حملتْ إشارة باسيل في كلامه إلى «الخارج» تظهيراً لأبعاد «ما فوق محلية»، بات فريق الرئيس عون يقارب استحقاق تشكيل الحكومة من خلالها، توقّفت الأوساط السياسية نفسها عند حرص «التيار الحر» على التأكيد على صلاحية رئيس الحكومة بوضْع تشكيلة وزارية والتقدم بها إلى رئيس الجمهورية.

وفي رأي الأوساط انه رغم إيحاء «التيار الحر» أن هذا الكلام هو في معرض رفْض تحميل باسيل أي مسؤولية في تأخير ولادة الحكومة، إلا أن هذه «الاندفاعة» تحمل في طياتها محاولة لاستدراج الحريري إلى تقديم صيغة خطية لعون، وفق المعايير التي يعتبرها الرئيس المكلف الأنسب لتمثيل كل من حزبيْ «القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي» (يرفضها التيار الحر) والتي لا تمنح رئيس الجمهورية والتيار الثلث المعطّل في الحكومة، وهي الصيغة التي يمكن أن يوافق عليها عون فيوقّع مرسوم تشكيل الحكومة لتسقط بعدها في البرلمان بعدم نيلها الثقة التي «يقبض» عليها تحالف «التيار الحر» و«حزب الله»، ما يستوجب الدعوة لاستشارات جديدة لتكليف رئيس للحكومة لن يكون عندها الحريري إلا إذا «سلّم» سلفاً بشروط خصومه.

ودعت هذه الأوساط إلى القراءة بتمعّن بما قاله رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد و«تناغَم» فيه مع باسيل اذ أكد «ان معضلة تشكيل الحكومة لها سبب واحد واضح فما دام الرئيس المكلف لا يعتمد معياراً واضحاً سيطلع علينا بتشكيلات استنسابية… وموازين الأحجام أظهرتها نتائج الانتخابات النيابية»، والأهمّ إشارته الى «أن التصرف على طريقة شتاء وصيف على سطح واحد أمرٌ موجب لتخفيض منسوب الثقة بالحكومة وبرئيسها».

وإذ تجنّب الحريري إطلاق أي إشارة رداً على كلام باسيل الذي يؤشر على أن العلاقة مع «التيار الحر» لم تعد على «ما يرام» بعدما شكّلتْ أحد المرتكزات الرئيسية للتسوية السياسية التي أوصلت العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، فإن الأوساط ترى أن الرئيس المكلف يعي تماماً مخاطر أي «دعسة ناقصة» في عملية التشكيل التي يعاينها الخارج عن كثب بعدما حدّد معاييره لها، كما أنه يدْرك «حقْل الألغام» الذي يسير فيه وهو لا يمكن أن يعمل تحت ضغط عامل الوقت والابتزاز ولا سيما أنه الرئيس «بقبعتيْن»: رئيس حكومة تصريف الأعمال والرئيس المكلف، وأن أي استنزاف إضافي بملف التأليف من شأنه أن يأكل المزيد من رصيد عون الذي اعتبر أن «حكومة العهد الأولى» ستكون بعد الانتخابات.

وتساءلت الأوساط عيْنها إذا كان لبنان يمكن أن يشهد محاولات «غير تقليدية» لكسْر المأزق وجرّ الحريري إلى القبول بحكومة أمر واقع، ملاحِظة أن «القوات اللبنانية» لاقتْ تشدُّد باسيل برفْع سقف موقفها عبر ما نُقل عن رئيسها سمير جعجع من أنه طلب الى الوزير القواتي ملحم رياشي المكلّف التفاوض في ملف التشكيل بالتوقف عن التفاوض في حال تبلّغ أي عرض بأن تكون حصة «القوات» أربع وزارات من دون حقيبة سيادية أو نيابة رئاسة الحكومة.