نوع من إعلان القتل الصامت، راح ضحيته آلاف من المعارضين السوريين، تحت التعذيب في معتقلات النظام، لجأ إليه النظام السوري، في الآونة الأخيرة، للتخلص بطريقة سرية، من مسؤوليته المباشرة عن قتل آلاف المسجونين لديه.
وصعق عدد من ذوي معتقلين سوريين في سجون الأسد، عندما علموا أن أبناءهم تم تقييدهم ببند “المتوفين”، في سجلات قيد النفوس، دون أن يتم إعلامهم، سابقاً، بما سماه النظام “الوفاة”. وذلك في مسعى منه للتخلص من تبعات ملف المعتقلين لديه، خاصة في الوقت الذي تعمل موسكو فيه، لإعادة لاجئين سوريين من دول الجوار.
وتأكد قيام وزارة داخلية النظام السوري، بإرسال قوائم تضم أسماء مئات المعتقلين السياسيين المقتولين تعذيباً، في سجونه، إلى دوائر السجلات المدنية في بعض المحافظات، لتسجيلهم كمتوفين فارقوا الحياة، بعد أن قضوا تعذيباً. وذكر أكثر من مصدر، أن محافظات حلب ودمشق وريفها ومحافظة الحسكة، أرسل إليها قوائم تفيد بـ”وفاة” 1448 معتقلاً سياسياً معارضاً لنظام الأسد، وسط شكوك بإرسال قوائم أخرى، في الفترة القادمة.
وسعى نظام الأسد، وبطريقة سرية غير معلنة، لإمرار أسماء المعتقلين الذين قتلوا تعذيباً في سجونه، ليزيل عن كاهله، ثقل هذا الملف الذي بات عاجزاً عن إخفائه، ويتهرب منه طيلة جولات “جنيف” و”أستانا” وغيرها من محافل، بحسب مراقبين.
واتّبع نظام الأسد، طريقة تغيير بيانات اسم الشخص السوري الذي قضى في سجونه، ليكون الإعلان عن “وفاة” المعارض السوري، عبارة عن كلمة توضع في قيد نفوسه، ودون أن يعلم ذووه، بذلك، ويصبح، فجأة في عداد الوفيات.
والشهر الجاري، صعقت عائلة المعتقل المعارض، يحيى شربجي، عندما قرأت كلمة “متوفى” إلى جانب اسمه، عندما كانت بصدد استخراج بيان عائلي لابنها المعتقل في سجون النظام. حيث فوجئت العائلة أن ابنها المعتقل، مقتول منذ عام 2013، في سجون الأسد، بدون ذكر تفاصيل مكان الوفاة، تبعاً لما ذكرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، فإن نظام الأسد، سلّم أمانات السجل المدني، وهي مؤسسات رسمية تعنى بتسجيل الحالة العائلية والاجتماعية للسوريين، قوائم بأسماء آلاف المعتقلين الذين قضوا في سجونه، تعذيباً، لتسجيلهم بخانة الوفيات.
وفي الآونة الأخيرة، بلغ عدد الذين أراد النظام تسجيلهم بخانة الوفيات، قرابة 4000 معتقل، لم يتم الكشف عن التاريخ الدقيق لمقتلهم تعذيباً أو “جوعاً وقهراً” كما ذكر المرصد السوري الذي اعتبر أن الظروف الموجودة داخل معتقلات النظام، كالتجويع والأمراض، من أسباب مقتل المعارضين، إضافة إلى القتل تحت التعذيب، للغالبية منهم.
وأصدرت المنظمة السورية لحقوق الإنسان، في 13 من الجاري، تقريراً مفصلاً يوثّق قيام نظام الأسد بتسجيل “مختفين قسرياً على أنهم متوفّون في دوائر السجل المدني”، والتي أكدت أنها توصلت مع عدد من العائلات التي اكتشفت بالمصادفة، أن ابنها المعتقل في سجون النظام، قد تم ترقين قيده، فجأة، على أنه من المتوفين.
ومنذ مطلع العام الجاري، بدأ نظام الأسد بـ”التلاعب” بوثائق السجل المدني في أكثر من محافظة، حيث يغيّر في قواعد البيانات، وبسرية تامة، ليضع علامة “متوفى” إلى جانب المعتقل الذي قضى، في وقت سابق، تعذيباً.
ولاحظت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن المعتقلين الذين يكونون مرتبطين ببعضهم بعضاً، بصلة قربى، وتم اعتقالهم بعملية واحدة، تتم تسجيل وفياتهم بالتاريخ ذاته، أيضاً. مما يدفع إلى الاعتقاد، بأنهم جميعاً خضعوا لحكم إعدام واحد، وأنه قد يكون صادراً عن محكمة سرية، بحسب الشبكة السورية التي عرضت بعض الأسماء التي دونت فجأة بخانة الوفيات، كعلي عمر شمة من مواليد 1994، واعتقل عام 2011، ووالده الشيخ عمر علي شمة، الذي اعتقل في العام ذاته. وكالناشط سعد محمود بلوات، من مواليد محافظة “حماة” 1983، والذي اعتقل عام 2011، الذي تأكدت وفاته بسبب التعذيب، وأسماء أخرى كعبد المعين غزوان فهد، من أبناء محافظة حمص، وسط سوريا، الذي اعتقل عام 2013.
وتؤكد الشبكة السورية أن نظام الأسد تعمّد إخفاء 90% من المعتقلين في سجونه، ثم حرمان أهالي هؤلاء المعتقلين المعارضين لنظامه، من إبلاغهم حتى بوفاة ابنهم، وأحياناً الامتناع عن تسليم جثته لذويه.
وتعتبر أن تسجيل المعارض السوري المعتقل في سجون الأسد، على أنه متوفى، دون علم أهله، مسبقاً بذلك، هو أحد أسلحة الحرب التي يستخدمها النظام، ضد كل من تجرأ على معارضته، بحسب الشبكة التي أصدرت جملة توصيات توجهت بها إلى منظمات الأمم المتحدة ذات الصلة، لحماية 82 ألف مختف قسرياً، لدى النظام السوري، مصيرهم مهدد ويُرهب المجتمع السوري كله، وسط مخاوف من أن تتوالى أسماؤهم مرسلةً إلى دوائر سجلاتهم المدنية التابعة للمحافظات التي ولدوا فيها، على أنهم قد توفوا، مثلما حصل في القوائم التي بات نظام الأسد يرسلها، بين الفينة والأخرى، لمعتقلين مغيبين قسراً لديه، على أنهم فارقوا الحياة، فحسب.