كتبت كلير شكر في صحيفة “الجمهورية”:
يكفي رصد الابتسامات التي توسّطت الصورة الرسمية التي التقطت للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في حضور نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، لكي يُبنى على الشيء مقتضاه.
والمقتضى هنا بَدا جلياً: عودة المياه إلى مجاريها بين الرجلين، وخلفهما فريقان أشعلا مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية والمنابر السياسية بسجالات وتباينات، كادت أن تتفوّق على خلافاتهما مع الخصوم.
قدّمت عدسات المصورين دليلاً موثّقاً على أنّ اللقاء المنتظر كان أكثر من إيجابي، متوّجاً مساراً انقلابياً في العلاقة الثنائية، يفترض أن يحملها من ضفة الخصومة تحت سقف التحالف الاستراتيجي، إلى ضفّة التنسيق والتفاهم ولكن من دون أن تلامس عتبة التحالف.
اللقاء في حدّ ذاته يعتبر حدثاً ذا أهمية في شريط العلاقة الثنائية، بعد قطيعة فرضت حوار الواسطة بينهما، وتدخّل طرف ثالث لإعادة ترتيب الوضع وترميم الجسور. فيما الأسباب الموجبة مهّدت الطريق أمام جلوس الرجلين وجهاً لوجه. علاقة صار عمرها أكثر من 13 عاماً لكنها لم تنتظم يوماً في إطار محدد على رغم من كلّ المحاولات. سكنها المدّ والجزر، فكانت أقرب إلى مسلسل اشتباكات ومناكفات متنقّل من ملف إلى آخر.
وها هو عهد الرئيس ميشال عون يقترب من عامة الثاني بينما التوتر كان لا يزال متحكّماً بمفاصل العلاقة بين الرئاسة الثانية و«التيار الوطني الحر»، بينما يعد الفريق العوني نفسه، وعلى رأسه باسيل في أن تكون الحكومة العتيدة أكثر من استثنائية في إنتاجيتها، لكي تنال صفة «حكومة العهد» حسب ما وعد عون بعد استلامه السلطة. إذ انّ رفد الحكومة المنتظرة بمقويات غير تقليدية يستدعي حكماً تخطي حاجز الخلافات مع بري، والقفز نحو تفاهم شامل معه يسهل عمل السلطة التنفيذية ويتيح لها تحقيق الانجازات.
ويبدو أنّ الطريق لتحقيق هذا الهدف صار معبّداً، كما يقول نواب عونيون اطلعوا على تفاصيل «اللقاء الثلاثي» في عين التينة، مشيرين إلى أنّ الأجواء التي سادته كانت أكثر من إيجابية تَشي بمرحلة من التنسيق بين الفريقين على المستويين، النيابي والحكومي.
وفق المعلومات فإنّ البحث تركّز على ثلاثة ملفات أساسية: التأليف الحكومي، التشريع، والنازحين. وقبل ذلك كله، يتحدث العونيون عن «دعم صريح وواضح أبداه بري للعهد لكي تكون انطلاقة حكومته الثانية ناجحة وقوية، ولكي تتمكن حكومته من القيام بمشاريع حيوية ترضي تطلّعات المواطنين».
يؤكد هؤلاء «أنّ نجاح العهد يعني نجاح القوى المشاركة في التركيبة السلطوية، وهذا الأمر يسمح بالتلاقي بينها عند خطوط مشتركة». ولهذا يتحدثون عن «مرحلة تعاون جدي بين تكتل «لبنان القوي» وحركة «أمل»، يفترض أن تظهر تجلياتها على المستويين الحكومي والتشريعي من خلال التنسيق الدائم والدوري وتفعيل مشاركة «التكتل» في «لقاء الأربعاء» النيابي.
وفي التفصيل الحكومي العالق حتى اللحظة على حبل العقد، لمس باسيل كما يشير العونيون تفهّماً لوجهة نظر «التيار الوطني الحر» إزاء الملف الحكومي خصوصاً لجهة مطالبه.
وقد سارع تكتل «لبنان القوي» إلى ملاقاة مَيل بري إلى فتح مجلس النواب أبوابه للتشريع، ولو في ظل حكومة تصريف أعمال. اذ اعتبر «التكتل» أنّ «غياب الحكومة ينبغي أن يشكل فرصة للمجلس النيابي لكي يشرّع وينطلق في التشريعات، لأنّ الناس والبلد في حاجة الى تشريعات وحركة تنموية ترتكز خصوصاً الى التشريعات النيابية».
وفق القريبين من بري، اللقاء ليس عابراً، لكن لا يعني أبداً انتظام العلاقة في قالب تنظيمي، فالمسألة لم تطرح أبداً في الجلسة. أمّا بالنسبة الى دعم العهد، فإنّ التواصل بين عون وبري في أحسن حالاته، والتفاهم بينهما على أعلى مستوى.
وفي الشأن الحكومي، أكد بري أهمية الحوار وتأليف حكومة وحدة وطنية تحترم تمثيل كل المكونات، ومن البديهي أن يوافق على كلام باسيل حين يقول له إنّ «التيار» لا يسعى أبداً إلى مصادرة حصة أي فريق.
الأهمّ من ذلك، تتزامن أعمال ترميم الجسور بين باسيل وعين التنية مع تدهور علاقة باسيل مع الرئيس المكلف سعد الحريري. الأمر لا يتصل هنا بالعقد الحكومية فقط، وإنما بمقاربة رئيس تيار «المستقبل» المستجدة حيث أعاد صَوغ قواعد علاقته مع «التيار الوطني الحر» وفقاً لتلك المستجدة مع المملكة العربية السعودية. ويبدو أنّ هذا التموضع قد فرض على باسيل تموضعاً معاكساً.
وكان باسيل قال بعد لقائه بري: «اننا الآن وفي كل المراحل التي نمرّ بها أحوج الى أن نتلاقى كلبنانيين بعضنا مع بعض. وبالتأكيد فقد تكلّمنا في كثير من المواضيع المفيدة للبلد، والتي إن شاء الله تساعدنا في كل المجالات، من تأليف الحكومة، الى حل مشكلات لبنان السياسية، الى موضوع النازحين والى كل ما يأتي بالخير على هذا البلد. نختصر هذا اللقاء بالخير».