عندما كُلّف الرئيس سعد الحريري بـ112 صوتا نيابيا مهمّة تأليف الحكومة “الاولى للعهد”، ظنّ ان هذا الاجماع الواسع العابر للاصطفافات السياسية التقليدية، حول اسمه، يشكل امتدادا للتسوية الرئاسية، لا بل يرسّخ جذورها أكثر، في الارض المحلية إلا انه أيقن تباعا، بحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، أن ثمة مساعي لتغيير قواعد اللعبة، ودفعه الى خيارات “حكومية” غير واردة في قاموسه.
هذه المساعي بدأت مع الدعوات التي صدرت وكبرت ككرة ثلج، في أوساط فريق 8 آذار، وعنوانها ضرورة “توحيد المعايير” التي ستعتمد في تمثيل الكتل النيابية في التركيبة الوزارية العتيدة، اذ لا بد من وضع تشكيلة تلاقي “نتائج الانتخابات الاخيرة، وما افرزته من موازين قوى وأحجام للقوى السياسية الداخلية”. وسرعان ما تبين ان هذه المناشدة هدفها تصغير حصة القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي في الحكومة لصالح مكونات 8 آذار، المسيحيين والدروز والسنة، على اعتبار ان هذا الفريق هو الذي انتصر في الانتخابات النيابية الاخيرة وبالتالي من الضروري ان تعكس الصيغة الوزارية هذه المعادلة الجديدة، فيكون لحزب الله وحلفائه، أقلّه، الثلث المعطل في مجلس الوزراء. والواقع ان هذا الثلث تعتبره 8 آذار تعويضا أو بدلا من مسار آخر كان من المفترض ان يصار الى سلوكه حكوميا، ويتمثل في تشكيل حكومة “أكثرية”.
فبحسب ما يقول سياسي في هذا الفريق لـ”المركزية”، من يقدم على اعتماد “النسبية” في الانتخابات النيابية، من غير المنطقي ان يقرر تأليف حكومة وحدة وطنية قائمة على مبدأ الديموقراطية التوافقية التي تلغي النظام الديموقراطي وجوهره، اذ تحول مجلس الوزراء الى “ميني” مجلس نواب. ويتابع “انطلاقا من الانتخابات وقانونها الذي سمح للكل بأن يتمثل في البرلمان بحسب حجمه، كان المطلوب تشكيل حكومة تشارك فيها القوى التي فازت في الانتخابات، في حين تبقى القوى الاخرى في المعارضة، ويكون دورها مراقبة أداء السلطة التنفيذية”.
هذا الخيار الذي أقفل عليه الرئيس الحريري الباب منذ اللحظة الأولى، جدد رفضه له قائلا “حصلت على 112 صوتاً من النواب لتسميتي لتشكيل حكومة وفاق وطني، أنا لست مع حكومة أكثرية، بل على العكس، الإجماع الذي حصلنا عليه والتسوية التي قمنا بها، هما فقط لكي يكون كل الأفرقاء في الحكومة، ونتحمل جميعا مسؤولية الأمور في البلد. أما غير ذلك، فيكون تفريطاً بأمر فعال مكننا من إنجاز انتخابات وقانون انتخاب ومؤتمرات كـ “سيدر” و”روما”، ونكون قد فقدنا مصداقيتنا. أضف إلى أن المشاورات كلها حصلت على أساس التوجه لتشكيل حكومة وفاق وطني”.
وإزاء هذا الموقف القاطع، وبما ان لا بديل جاهزا أو قادرا على الحلول مكان الحريري، تضيف المصادر، يبدو ان ثمة تراجعا عن هذا الطرح، بدليل ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال اليوم “عزمنا واضح، وهو ان تكون هذه الحكومة جامعة للمكوّنات اللبنانية من دون تهميش اي مكون، او إلغاء دوره ومن دون احتكار تمثيل اي طائفة من الطوائف”، معتبراً “ان إذا كانت بعض المطالب قد اخرت حتى الآن تشكيل الحكومة، فأود هنا ان اجدد تأكيد عزمي بالتعاون مع دولة الرئيس المكلف على إخراج البلاد من ازمة تأخير ولادة الحكومة مراهنا على تعاون جميع الأطراف وحسهم الوطني لأن اي انكفاء في هذه المرحلة من تاريخنا هو خيانة للوطن وآمال الناس”.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه يبقى “هل يتم التراجع أيضا عن الثلث المعطل الذي يرفض الرئيس المكلف بحزم أيضا إعطاءه لاي فريق، تسهيلا للولادة الحكومية؟ أم يستمر التعثّر؟”