كتبت البروفسور غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:
ينبغي على الحكومة أن تسهم في النمو الاقتصادي وفي المحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، من خلال اتباع سياسات اقتصادية سليمة تعزّز مصداقية الحكومة والمؤسسات السياسية. هذه المصداقية حيوية للاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد، ولها تأثير كبير في قرارات الاستثمار التي تسمح بازدهار البلاد.
بعد عقود من المحاضرات للبلدان النامية في شأن كيفية الخروج من الأزمات الاقتصادية وتحفيز النمو الاقتصادي من خلال السياسات الحكومية الرشيدة، نرى ان صنّاع السياسة في الدول الكبرى وبعض الاقتصاديين تخلوا عن مشورتهم هذه عند أول ازمة كبرى، ويتظهّر هذا الواقع بوضوح عندما يتعلق الامر بتقديم المشورة في شأن تراكم المزيد من الديون.
وقد ظهر الامر جليًا في معالجة اوروبا وصندوق النقد الدولي للأزمة اليونانية الامر الذي يؤكد عدم قدرة هذه المرجعيات على تحقيق امور تتعلق باستقرار هذه الدول وتساعد على استعادة الثقة والنمو والاستقرار الاقتصادي.
وما ينطبق على اليونان، ينطبق على جميع الدول المديونة والتي لجأت الى صندوق النقد الدولي والمؤسسات الكبرى لمعالجة ازماتها وانضباطها المالي واجراء الاصلاحات واستخدام الموارد على نحو افضل. كذلك يجب على المؤسسات الحكومية حراسة مصداقيتها في توفير نظام عادل من خلال القوانين الامر الذي ينطبق على الدول النامية كما ينطبق على الدول المتقدمة.
تعتبر المؤسسات السليمة اكثر اهمية في تطبيق الاصلاحات اللازمة سيما انها تعتمد على المصداقية في ادارة الشؤون المالية.
لذلك من الافضل أن يكون دور الحكومة الاقتصادية التركيز على الاستقرار والمصداقية وليس الانفاق، سيما وان الانفاق برهن وفي مراحل عدة من الاقتصاد العالمي انه قد لا يحقق النمو الاقتصادي. مثالٌ على ذلك اميركا، وارتفاع الانفاق الضخم فيها في الثلاثينات والستينات والسبعينات، عندما كانت الحكومة الاتحادية تخفّض بنسبة خمسة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، شهد الاقتصاد الاميركي اكبر نمو لغاية الآن.
لذلك عند فشل الحملة الاقتصادية التقليدية مرارًا (زيادة الانفاق يساعد في زيادة النمو) يصبح من الضروري اعادة النظر في تلك الحكمة التقليدية سيما وانه قد لا يزيد الانتاجية ويضعف القطاع الخاص عن طريق توجيه الموارد نحو الاستخدامات الاقل انتاجًا، وبالتالي اعاقة نمو الايرادات.
قد يكون السؤال البديهي في وضع لبنان اين هي الاموال التي ستضخ في الاقتصاد لمساعدة النمو وتحفيزه؟ قد تكون اموال «سيدر» هي العامل الوحيد الذي سوف يساعد في تحفيز النمو ان صدقت مقولة ان الانفاق يؤدي الى زيادة النمو، لكن، وكما ذكرنا سابقًا، البراهين عديدة والمقارنات الشاملة اعطت نفس النتيجة. لكن هذا لا يعني ان الانفاق الحكومي لا تأثير له على الاطلاق. لكن يبدو تاريخيًا ان معظم الانفاق الحكومي لم يكن له تأثير على الاطلاق وأدّى الى انخفاض الانتاجية والنمو الاقتصادي الطويل الاجل لاسباب عدة قد يكون اهمها:
– استردادات الضريبة قد لا تحفّز الاقتصاد سيما وان الاموال لا تهبط من السماء انما تخرج من الاستثمار وصافي الصادرات بينما تخفيض المعدلات الضريبية سوف يزيد حوافز العمل والادخار والاستثمار لذلك قد يكون الخفض الضريبي هو المعيار الذي يقاس به تغيّر السلوك وتشجيع الانتاجية.
– الانفاق في البنية التحتية: هذه اسطورة وتقول ان مليارا واحدا من الانفاق في البنى التحتية سيما الطرقات يؤدي الى زيادة حوالي ٥٠،٠٠٠ وظيفة جديدة في الاقتصاد الاميركي. هذه الدراسة برهنت انها فاشلة سيما وان الانفاق السريع ليس سوى مجرد نقل الوظائف والدخل من جزء من الاقتصاد والى جزء آخر. لكن من المؤكد ان انفاق الاموال في الطرقات والبنى التحتية يؤدي الى زيادة الانتاجية والنمو في المستقبل.
هذه الاسباب تنبغي مراقبتها سيما وانها غير دقيقة علميًا وبرهنت انها قد لا تؤدي الى ما هو مرجو. لذلك لا بد من التطلع الى دور الحكومات في عملية تحفيز النمو هذه سيما، وكما ذكرنا سابقًا، ان أي عملية تقشّف برهنت لغاية الآن انها قد لا تؤدي النتائج المرجوة واليونان خير دليل على ذلك. واذا كانت اليونان قد شهدت نموا في الفترات الاخيرة فسبب ذلك يعود في مجمله الى السياحة التي تشكل عنصرًا هامًا في مجمل الناتج المحلي الاجمالي لليونان. وقد برهنت اليونان مع عمليات التقشف ان نسبة الدين الى الناتج الاجمالي تراجع من ١٦٨ بالمائة الى ١٢٠ بالمائة خلال ثلاثين عامًا انما تزامن ذلك تلقائيًا مع تراجع في الناتج المحلي الاجمالي.
لذلك قد لا يكون الحل في التقشّف ولا في الانفاق على بنى تحتية كونها لا تعطي النتائج المرجوة وتتعارض مع الدراسات بل يكمن الحل في اعادة التوازن بين حجم القطاع العام والقطاع الخاص على السواء.
وهذا يعني انه على الحكومة العتيدة ان تلعب دورا اساسيا في سنّ وتطبيق القوانين التي تعطي الفرص لاصحاب العمل والمؤسسات والمصانع في ابراز قدراتها التنافسية وتحفيز صادراتها الامر الذي يساعد على تفعيل الاقتصاد والحركة التجارية. كذلك سنّ القوانين التي تساعد المستثمرين على المجيء الى لبنان وتفعيل المحاكم التجارية التي تبت بالمشاكل المتعلقة بأي عملية من هذا النوع الامر الذي يسهم في النمو الاقتصادي للدولة ويقدم افضل الفرص لانجاز الاهداف الوطنية في الاستثمار والنمو.
لذلك وجب على الحكومة العتيدة احداث تغييرات جذرية في النظم والأجهزة الأمر الذي يوفر الاستقرار الاقتصادي ويعطي المقاولين والمستثمرين المحتملين الثقة من اجل تلبية الاحتياجات المتغيرة للمجتمع ومواجهة مشاكل باتت مستعصية واقتصاد على شفير الهاوية.