كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: خيمت أزمة التشكيل الحكومي على أجواء الاحتفال بعيد الجيش اللبناني الـ73، في ظل ضغوط يتعرض لها رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري تارة بسحب التكليف منه رغم أن ذلك مخالف للدستور اللبناني وتارة أخرى ببدأ المجلس النيابي مهامه التشريعية في ظل حكومة تصريف أعمال.
وتتداخل عوامل داخلية وخارجية في مسار تأليف الحكومة المتعثر منذ مايو الماضي، في غياب أي مؤشرات على إمكانية توصل الفرقاء اللبنانيون إلى تسوية مقبولة على المدى المنظور.
وتقول دوائر سياسية لبنانية إن الإشكال الأساسي حاليا يكمن في غياب التفاهم بخصوص المعيار الذي يجب اعتماده لتشكيل الحكومة، فهناك فريق يقوده حزب الله يضغط باتجاه تشكيل حكومة أكثرية بناء على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي تصب في صالحه وحلفائه، بالمقابل هناك فريق آخر يقوده الرئيس المكلف سعد الحريري يصر على حكومة وحدة وطنية، خاصة وأن طبيعة النظام اللبناني تلفظ هيمنة فريق بعينه.
وترى هذه الدوائر أن العامل السوري يشكل عنصر ضغط إضافيا حيث أن البعض -وخاصة حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر- يريد أن تمهد الحكومة المقبلة لعودة العلاقات السياسية بين بيروت ودمشق الأمر الذي يصر الحريري على رفضه، حتى أنه قال في تصريح “مستحيل أن تروني في سوريا، لا في وقت قريب ولا (في وقت) بعيد، حتى وإن انقلبت كل المعادلات، وإذا اقتضت مصلحة لبنان ذلك ‘فساعتها بتشوفولكم حد ثاني غيري’ (حينها ستبحثون عن أحد ثان غيري)”.
وفي ظل عملية الشد والجذب يبدو موقف رئيس الجمهورية ميشال عون ضبابيا، فمن جهة يقر بضرورة أن يكون معيار التأليف قائما على نتائج الانتخابات التشريعية ومن جهة ثانية يدعو إلى حكومة وحدة وطنية.وقال عون، خلال كلمة ألقاها عند ترؤسه حفل تخريج ضباط دورة “فجر الجرود” في الكلية الحربية، الأربعاء تزامنا مع عيد الجيش، “صوت اللبنانيين الذي تمثل في مجلس النواب يجب أن ينعكس أيضا على تشكيل الحكومة العتيدة، وكلنا تصميم في هذا الإطار (على) ألا تكون فيها الغلبة لفريق على آخر وألا تحقق مصلحة طرف واحد يستأثر بالقرار أو يعطل مسيرة الدولة”، مشددا على أنّ “عزمنا واضح، وهو أن تكون هذه الحكومة جامعة للمكوِّنات اللبنانية من دون تهميش أي مكوِّن، أو إلغاء دوره ومن دون احتكار تمثيل أي طائفة من الطوائف”.
وأضاف “إن كانت بعض المطالب قد أخرت حتى الآن تشكيل الحكومة، فأود هنا أن أجدد تأكيد عزمي بالتعاون مع دولة الرئيس المكلف على إخراج البلاد من أزمة تأخير ولادة الحكومة مراهنا على تعاون جميع الأطراف وحسهم الوطني لأن أي انكفاء في هذه المرحلة من تاريخنا هو خيانة للوطن وآمال الناس”.
من جهته جدد رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال لقاء الأربعاء النيابي، التأكيد على العمل بكل الطاقات للإسراع في تشكيل الحكومة نظرًا لدقة الوضع الذي يعيشه اللبنانيون، كما أمل من الجميع التعامل بمرونة وبمسؤولية في التعاطي مع هذا الموضوع لتسهيل عملية التأليف والخروج من حال المراوحة التي تمر بها البلاد.
وأثار بري مسألة إمكانية عقد المجلس لجلسات تشريعية في حضرة حكومة تصريف أعمال ما فهم منه أنه محاولة لتشديد الضغوط على الحريري.
وقال بري “إن المادة 69 من الدستور واضحة لجهة حق المجلس النيابي بالتشريع في مثل الوضع الذي نحن فيه الآن، وأن هناك أعرافًا سابقة حصلت حين كانت حكومات تصريف الأعمال، عدا عن آراء الخبراء وكبار الفقهاء مثل الدكتور أدمون رباط وغيره”.
وأضاف “رغم هذا الحق الذي لا لبس فيه وفق الدستور، إلا أنني أفضل اتباع سياسة التروي كي لا تفسر الأمور على غير محملها”.
ويقول متابعون إن التلويح بعقد الجلسات التشريعية حتى بدون حكومة جديدة هو محاولة لحشر الحريري في الزاوية، وهذا ما يسعى له حزب الله.
ووصف سياسي لبناني مقرب من تيار المستقبل تصريحات عون وبري بالضغوط المتصاعدة على الحريري من أجل نزع التكليف عنه، مشددا على أن الحريري لن ينقاد خلف هذه النوايا ويعتذر عن تشكيل الحكومة.
وعزا السياسي في تصريح لـ“العرب” ذلك لسببين أولهما ان تراجع الحريري يعني انه سيخسر رصيده الشخصي وشعبيته ومستقبله السياسي الذي سيكون على المحك. والسبب الثاني أن أي تراجع منه سيكون ضربة قاصمة للطائفة السنية في لبنان.
وكان حزب الله قد طالب في وقت سابق بضرورة انطلاق المجلس في مهامه التشريعية وقال عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” نواف الموسوي، الأربعاء، إنه “لا يمكننا أن نرهن عمل السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية، لأن هذا الأمر يعني أن رئيس الحكومة يصبح هو رئيس كل السلطات، وعليه فإن الحديث عن وجوب تعطيل السلطة التشريعية في ظل وجود حكومة تصريف أعمال، غير صحيح على الإطلاق، وبالتالي لا بد لمجلس النواب أن يقوم بعمله، وأما موضوع تأخر ولادة أو تشكيل الحكومة، فهذا يُبحث مستقلا”. وجدير بالذكر أن زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى عين التينة الثلاثاء ولقاءه برئيس مجلس النواب نبيه بري بعد توتر كبير شاب العلاقة بين الطرفين كان من أهدافها بحث انعقاد الجلسات التشريعية حتى في غياب حكومة جديدة.
ويقول متابعون إن هذه الزيارة الأولى لباسيل إلى عين التينة أتت بضغوط من دمشق وحزب الله لتعزيز التنسيق في سياق محاصرة الحريري بين خيار الخضوع لمطالبهما أو الاعتذار عن مهمة التأليف.
وقال النائب نجيب ميقاتي الأربعاء “ما من أحد يمكن أن يطلق أي إنذار للرئيس الحريري الذي كلف بأكثرية موصوفة وهو يتطلع إلى تشكيل حكومة تكون على مستوى التحديات. فمن الطبيعي أن تمثل الحكومة مختلف الفئات والهيئات السياسية”.
وأعرب رئيس الوزراء الأسبق عن اعتقاده بأن “الرئيس نبيه بري لديه الحكمة لعدم طرح موضوع عقد الجلسات التشريعية في الوقت الحاضر”، لافتا إلى أن “انعقاد مجلس النواب بموجب سلطة تشريعية قوية وغياب سلطة تنفيذية بسبب الاستقالة -ذلك- يعني خللا في التوازن، وبالتالي فالرئيس بري حريص على عدم حصول أي خلل في التوازنات في لبنان”.
وفي خضم هذا المشهد المتأزم حذر مسؤول رفيع في البنك الدولي من دقة وضع الاقتصاد في لبنان، مشيراً إلى قروض بقيمة أكثر من مليار دولار عالقة في أدراج مجلس الوزراء أو البرلمان بانتظار تحويلها إلى استثمارات.
وقال نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج خلال مؤتمر صحافي في بيروت الثلاثاء بعد سلسلة لقاءات عقدها مع المسؤولين اللبنانيين “الاقتصاد اللبناني في وضع دقيق”. وأضاف “لا أشعر بالقلق على الاقتصاد، ولكنه في حال من الهشاشة” غير “الجديدة لكنها موجودة إلى حد كبير ويجب أن نوليها اهتماماً بالغاً”.
وأوضح بلحاج أن لدى البنك الدولي مشاريع بقيمة “نحو 1.1 مليار دولار لم يتم تحويلها بعد إلى استثمارات فعلية. بمعنى أنها عالقة في (أدراج) البرلمان أو في مجلس الوزراء”.