IMLebanon

إستدارة 180 درجة!

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

بشكلٍ مفاجئ، إستدار الوزير جبران باسيل 180 درجة في أدائه وخطابه، وتوجّه إلى عين التينة. الرئيس نبيه بري، وعلى نحو مفاجئ أيضاً، فتح بابه أمام ضيفه، ومن دون شروط مسبقة.

فتحت الزيارة شهيّة الكثيرين على مقاربتها بتفسيرات وتحليلات وبتساؤلات، عمّا إذا كانت هذه الزيارة نابعة من رغبة في التراجع نحو الواقعية والخروج الجدّي من خلف المتراس، وتكريس نهاية لمسلسل التراشق والتصعيد الذي ساد خلال الأشهر الماضية، او عمّا إذا كانت مجرّد لحظة فولكلورية تكتيكية، أكثر المطلوب فيها هو التقاط الصورة والابتسام أمام الكاميرا؟

المعروف أنّ العلاقة بين حركة «امل» ومن خلفها الرئيس بري، وبين التيار الوطني الحر في ظل رئيسه الاول الرئيس ميشال عون ومن ثم رئيسه الثاني جبران باسيل، مرّت بمطبات كثيرة وشابَها الكثير من مسببات التنافر، ونظرتهما تناقضت حول الكثير من الأمور والقضايا الداخلية، وثمة محطات خلافية متعددة بدا فيها الطرفان وكأنهما وصلا الى لحظة الافتراق النهائي ونقطة اللاعودة. هذه الصورة، كانت سائدة قبل زيارة باسيل إلى عين التينة. ولكن ماذا عن الصورة الجديدة؟

أهم ما في الزيارة، هو حصولها، بمعزل عن أهمية مواضيع البحث التي تخللتها. وبالتأكيد أنها كانت مصدر ارتياح لكثيرين وعلى الأخص لحليف الطرفين «حزب الله»، الذي يقال إن ملائكته كانت حاضرة خلف الصورة لإتمام هذا اللقاء بعد طول انقطاع. وبالتأكيد ايضاً أنّ الزيارة قد تكون مصدر ازعاج وقلق لآخرين يفضّلون ان تبقى الهوة عميقة بين الطرفين وكل الجسور مقطوعة بينهما.

الواقعية تفرض عدم الغرق في مناخات مفرطة في ايجابيتها، والقول إن الامور الخلافية مسحت بـ»شحطة» قلم في لقاء السبعين دقيقة، فما انتهت اليه، خلّف تفاؤلاً – يبقى حذراً الى ان تثبت متانته – بإمكان سلوك العلاقة بين الطرفين خارج المدار الخلافي السابق.

وثمة من قرأ نتائجها الأولية في الابتسامة العريضة التي رسمها باسيل على وجهه خلال اللقاء مع بري، وفي المصطلحات التي استخدمها في معرض تقييمه لما وصفه «لقاء الخير» من على منبر عين التينة.

وثمة من قرأها من أن مجرّد حصولها يؤكّد أن ثمة صفحة يُراد لها أن تُطوى، ويؤسّس لصفحة جديدة في العلاقات بين الحزبين، ومن البديهي الإفتراض هنا أن تكون للزيارة تتمة او تتمات مماثلة، لإعادة نفخ الروح في علاقة كانت متأزّمة حتى الأمس القريب.

واذا كانت الزيارة قد عكست في جانب منها رغبة التيار ورئيسه بالانفتاح على بري، فإنها في جانبها الآخر أكدت على امور ثلاثة:

– الاول، انّ بري قادر على ان يتجاوز مواقف قاسية وحتى إساءات ربطاً بالروح الوطنية التي يتمتع بها، وبفهمه لجوهر السياسة اللبنانية القائم على الـ «لا قطيعة كاملة ونهائية، ولا عداوات دائمة في لبنان، بل خصومات دائماً ما تتوفر الفتاوى لاحتوائها وتدوير زواياها».

– الثاني، التسليم بأنّ بري رقم صعب في المعادلة الداخلية، ومن الصعب تجاوزه، ومن الضروري التعاون معه، وانّ ضرورات المرحلة المقبلة لا تقتضي فقط تطبيع العلاقة معه، بل ان تكون هذه العلاقة اكثر من جيدة ومُمَأسَسَة على تعاون وايجابيات.

– الثالث، التسليم، وتحديداً من قبل التيار، بأنّ ثمة قواسم مشتركة كثيرة بين الطرفين، سواء على المستوى الداخلي، او على مستوى العلاقة اللبنانية السورية في المرحلة المقبلة، وكذلك على مستوى ملف النزوح السوري وأولوية معالجته. وايضاً على مستوى مشهد المنطقة في ظل المتغيّرات السريعة التي يشهدها. مع الاشارة هنا الى انّ تقييم صورة المنطقة، استحوذت على ثلث اللقاء بين بري وباسيل.

توقيت الزيارة حيّر كثيرين وكذلك مضامين البحث الذي تخللها، فإذا كانت هذه الزيارة قد وضعت بشكل مباشر او غير مباشر حجر الأساس لإعادة بناء العلاقة الثنائية، فإنها تزامنت مع عنصر تقاطعي بينهما، وهو ان طبيعة اللحظة الحكومية الميتة، في ضوء التعقيدات المصاحبة لملف التأليف، تقتضي حراكاً من نوع آخر، لا يلعب فيه بري دور الوسيط، بل دور المسهّل للتأليف وضمن حدود الصلاحيات، ولإنجاح هذا الدور لطالما استعان بالأرانب التي يخفيها في كمّه. ولكن قبل كل ذلك يجب العثور على المعطّل الحقيقي للتأليف، والذي يبدو أنه ما زال مختبئاً خلف جدران من الصعب اختراقها.

لقد قُصفت الزيارة من بعض المنابر الإعلامية على أن لقاء عين التينة هو استفزاز للرئيس المكلف سعد الحريري، وبمقولة «انتظرنا باسيل ليزور الحريري فزار بري». هذا الامر استفزّ معنيين بزيارة رئيس التيار الى عين التينة: «هذه خفة موصوفة، فأن تُؤخذ الزيارة في هذا الاتجاه، فهو ظلم لها». وهنا ينبغي لحظ مسارعة بري الى إيفاد معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل لوضعه في صورة اللقاء.

كما تمّ قصفها بمبالغات وصلت الى حد إدراج زيارة باسيل في سياق محاولة لتأسيس اصطفاف جديد لمحور سياسي مقابل محور سياسي آخر. هذا النوع من المبالغات لم «يُهضم» في عين التينة، كونه يشكل عبوة ناسفة لكل الواقع الداخلي، وثمة تجربة مريرة دفّعت البلد أثماناً ثقيلة، خبرتها كل القوى السياسية في زمن الاصطفافات والانقسامات العمودية والأفقية الحادة، وفرضت عليها تنفيذ عملية هروب جماعي منها، فكيف يمكن أن تعود اليها؟