في كل ما يجري على الساحة السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً ثمة معطى لا بدّ من أخذه في الحسبان، وقد ترجمته أكثر من صورة داخلية، وهذا المعطى يبدأ من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران وفرض سلسلة عقوبات مالية عليها وصولاً إلى حظر صادراتها النفطية اعتباراً من 4 تشرين الأول المقبل، وهو ما دفع بالدولار الأميركي إلى أن يقفز عتبة الـ111 ألف ريال إيراني، وصولاً في الداخل اللبناني إلى عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة التي طافت التوقعات الإيجابية حولها قبل شهرين، وسط عودة المشهد السياسي إلى مشهد يشبه كثيراً مشهدي 8 و14 آذار
ليست مصادفة أن يطوي الوزير جبران باسيل كل مواجهاته مع الرئيس نبيه بري ويزور عين التينة برفقة نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي وأن يتم التقاط صورة للقائهما مع بري وسط ابتسامات الثلاثة، وأن تكون الصورة المقابلة من بيت الوسط بلقاء يتكرر في الآونة الأخيرة بين الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع وسط تقاطعات كبيرة جداً تجمعهما مع الحزب التقدمي الاشتراكي وزعيم المختارة وليد جنبلاط.
اتهامات فريق “حزب الله”، أو فريق 8 آذار الذي تضعضع من دون أن يضيع، واضحة للسعودية بأنها تقف وراء عرقلة تشكيل الحكومة وبأن الرئيس المكلف “يدير أذنه إلى الخارج”، وبأن رفع سقف مطالب “الحكيم” سببه سعودي وبأن تصعيد جنبلاط أتى بعد زيارته إلى السعودية.
في المقابل فإن اتهامات فريق 14 آذار، العائد كطير الفينيق كما يبدو، أيضاً جاهزة: “حزب الله” يسعى للسيطرة على الحكومة من بعد مفاخرة اللواء قاسم سليماني بأن فريقه فاز بـ74 نائباً في مجلس النواب، والوزير جبران باسيل يسعى للحصول على ثلث معطل له وحده في مجلس الوزراء وعلى أكثرية الثلثين له ولفريق 8 آذار في الحكومة التي من المرجح أن تستمر حتى نهاية العهد!
في الصورة الواضحة سياسياً بدأ الافتراق بين “التيار الوطني الحر” وتيار المستقبل، وحصلت القطيعة الممهدة للطلاق بين الرئيس الحريري والوزير باسيل ما يمهّد لسقوط التسوية الرئاسية بعد سقوط اتفاق معراب والتفاهم بين العونيين و”القوات اللبنانية”، وهذا ما دفع رئيس “التيار” جبران باسيل إلى إعادة تموضعه وتمتين علاقاته ضمن فريق 8 آذار عبر بوابة عين التينة من بعد إزالة كل رواسب مرحلة الانتخابات التي اعترت العلاقة مع “حزب الله”.
وفي المقابل تمت إعادة اللحمة إلى العلاقة بين تيار المستقبل و”القوات اللبنانية” وعاد التناغم الشخصي بنسبة كبيرة بين الرئيس الحريري والدكتور جعجع بعد مرحلة طويلة من الجفاء الذي كان وصل إلى حد الاتهامات المباشرة والهجومات المتبادلة، كما أن زعيم المختارة عاد إلى الصفوف الأمامية في المواجهة، وإن كان اختار التصويب على العهد وليس على “حزب الله”.
هل تصحّ هذه القراءة السياسية وسط كمّ المؤشرات المتراكمة داخلياً وإقليمياً مع التشديد همساً على أن لا حكومة هذا الصيف بانتظار أن تفعل العقوبات فعلها على في الداخل الإيراني، وبعد أن تتم ترجمة اتفاقات قمة هلسنكي في الداخل السوري لناحية إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا؟ أم أن “حزب الله” يشارك داخلياً في محاصرة العهد ضمنياً منعاً لانفلاشه وتحجيماً لتضخّم نفوذ الوزير باسيل، وهذا ما يفسّر تفهّم حليف الحزب الأول الرئيس نبيه بري لمطالب “القوات” وعدم ممارسة أي ضغط داخلي من الحزب على وليد جنبلاط؟
الثابت أن الأجوبة ستتضح من اليوم وحتى 4 تشرين الأول المقبل وسط تزايد المعطيات بأن لا حكومة قبل ذلك التاريخ!