كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
على طريقةِ المدّ والجزْر تَمْضي أزمةُ تأليفِ الحكومةِ الجديدة التي تَتشابك فيها التعقيداتُ الداخلية والخارجية في ما يشبه «جبل جليدٍ» رأسُه صراعٌ يدور على الأحجام والأوزان ولكنه يتمحور عملياً حول الوُجهة الإقليمية للمَركب اللبناني وكيفية تأثير «رياح التحوّلات» في المنطقة عليه.
وبعد نحو شهرين ونصف الشهر من تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيلها، لا شيء يشي بأن آب سيكون شهر ولادة الحكومة التي يريدها فريقٌ «على صورة» مجلس النواب الذي أفرزتْه انتخاباتٌ وفق قانونٍ نسبي وبتوازناته السياسية الجديدة التي انتقلت معها دفّة الأكثرية إلى فريق «8 آذار» (تحالف «حزب الله» وحركة أمل و«التيار الوطني الحر» وأحزاب أخرى)، مقابل رغبة أركان ما كان يُعرف بقوى «14 آذار» بحكومةٍ وفق ترسيمات التسوية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي وبروحية مشاركة القوى الأكثر تمثيلاً بما يريحها.
وأوحتْ «حركة السفر» في الساعات الماضية، وآخرها للحريري الذي كان يستعدّ للتوجه إلى أوروبا في زيارة ذات بُعد اجتماعي على أن يعود إلى بيروت مطلع الاسبوع، بأنّ التمتْرس وراء الـ«لاءات» المتبادلة بات مُسْتَحْكِماً وسط خشية من ألا يكون هناك إمكان لكسْر حلقة المأزق إلا بالتسليم بترْك الأزمة تأخذ مداها فيُنهك الجميع وتكون بعدها تسوية «أفضل الممكن»، أو بحدَث «قاهِر» يدفع إلى التأليف في توقيتٍ بأبعاد إقليمية يَستعجل تكريس لبنان من ضمن «مدار نفوذ» إيران التي تستعدّ لمواجهة دفعة جديدة من العقوبات «فوق العادية» الأميركية والتي تبدو وكأنّها تُدفع الى «فم التنين»، رغم «أوراق القوة» التي تلوّح بها، فإما تفاوض «الشيطان» (الأميركي) وفق شروطه وإما… تندفع إلى الأمام.
وبعدما كان رئيس الجمهورية ميشال عون ظهّر في كلامه حضور بُعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في خلفية أزمة تأليف الحكومة بتأكيده أن رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل هو «في رأس السباق» الرئاسي، فإن الحريري الذي لم يسْلَم من انتقادات عون «صامِدٌ» على ثوابته برفْض أي تخلٍّ عن حليفيْه «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، وذلك بما يَحْفظ التوازنات في الحكومة ويراعي «المعايير الدولية» التي ترسم خطاً أحمر أمام سقوط الخط الفاصل بين «الدولة» و«حزب الله» الذي يطالب مجلس الأمن بوضْع سلاحه على الطاولة.
وبدا عون بتظهيره الواضح لخلفية رفْض حصْر التمثيل الدرزي في الحكومة بزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط تَلافياً لمنْحه «الفيتو الميثاقي» في الحكومة وكأنّه قرر أن يكون في واجهة هذه «المعركة»، مقابل نقْل عقدة تمثيل «القوات» إلى ملعب رئيس الحكومة بالتزامن مع إشاراتٍ جرى تسريبها حول عدم ممانعة «التيار الوطني الحر» حصول «القوات» على حقيبة سيادية، وهو ما اعتبره القيادي في تيار الحريري مصطفى علوش «لعبة ركيكة من عون».
وعلى وقع تكرار «حزب الله» دعوته بلسان وزيره حسين الحاج حسن «للإسراع بتشكيل الحكومة وفق قواعد تستند إلى نتائج الانتخابات الأخيرة والأحجام التمثيلية للكتل التي أفرزتها»، مؤكداً أن «نفخ الأحجام هنا أو هناك لا يساعد على الإسراع بالتشكيل»، استوْقف دوائر سياسية ما نقلتْه قناة «المستقبل» عن مصادر مواكبة لعملية التأليف من أن النظام السوري يبذل محاولات مستميتة لضرب التسوية الرئاسية، عبر شروط تبدأ بفرض توزير رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» طلال أرسلان درزياً لتطويق جنبلاط، والمطالبة بحصة وزارية لسنّة «8 آذار» (الموالين للنظام السوري) وفرْض التطبيع على الحكومة مع هذا النظام وإعادة الانقسام إلى لبنان من زاوية فريقيْ «8 و14 آذار» في محاولة لإعادة اختراق لبنان على متن «طروادة» الانقسام.
واعتُبر هذا الكلام مؤشراً على ثبات الحريري على تشدُّده حيال هذه المطالب، هو الذي نجح في توفير مظلّة جامِعة من البيت السني ترفض أي منحى للمسّ بصلاحيات رئيس الحكومة، سواء من بوابة الكلام عن حكومة أكثرية أو حكومة أمر واقع أو عن إلزام الرئيس المكلف بمهل للتأليف، أو ممارسة الضغط عليه لإحراجه من باب مخاطبة البرلمان، أو عن سحْب الثقة ولو معنوياً منه.