متأخراً عامين وثلاثة أشهر، قدم خليل حرشي استقالته من رئاسة بلدية العباسية (قضاء صور). لكنه طوال تلك الفترة، كان يخالف المادة 29 من قانون البلديات التي تنص على عدم جواز الجمع بين منصب رئيس أو عضو المجلس البلدي وبين وظيفة الدولة. وفي حال التزم بالقانون لكان «في مهلة أسبوعين اختار بين العضوية ووظيفته و إلا يعتبر مقالاً حكماً من رئاسة البلدية ويعلن قرار الإقالة من قبل المحافظ».
أما حرشي فقد اختار الجمع بين البلدية التي انتخب عضواً فيها في أيار 2016 (عين رئيساً بعد أيام) وبين عمله كحارس في مؤسسة «أوجيرو» منذ التسعينيات. وفي 18 تموز 2016 أي بعد شهرين من توليه رئاسة البلدية، صدر قرار من إدارة «أوجيرو» بتعيينه حارساً في مديرية جهاز الامن و السلامة في مركزها في مسقط رأسه العباسية. يحدد قرار التعيين، دوام عمل حرشي بين الثامنة صباحاً والخامسة مساء. في حين أن دوام البلدية من الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر (أصبح حتى الثالثة بعد الظهر في وقت لاحق). فكيف استطاع الرئيس ــــ الحارس التنسيق بين الدوامين ولمن كانت الغلبة في الإنتاجية والإنتظام؟ لا بد أن خدمة إحدى المؤسستين (أوجيرو والبلدية) كان على حساب الأخرى. مع ذلك، كان حرشي يقبض معاشه كاملاً من المؤسستين عن دوام غير كامل.
بحسب سجلات الموظفين في «أوجيرو»، يظهر بأن حرشي يقبض شهرياً 19 مليون ليرة لبنانية بدل عمله كحارس. ومنذ أيار 2016، أضيفت إلى الملايين التسعة عشر، مليونان إضافيان كتعويض شهري عن شغله منصب رئيس بلدية تحت عنوان تعويض وتمثيل و انتقال. هذا التعويض وافق عليه أعضاء مجلس بلدية العباسية في جلسة نظمت بتاريخ 17 حزيران 2016. وعليه، فإن حرشي وصله من الخزينة اللبنانية ما مجموعه 513 مليون ليرة (بدل رواتبه كحارس في اوجيرو منذ أيار 2016 حتى الآن) وما مجموعه 54 مليوناً كمخصصات مالية عن رئاسته للبلدية منذ عامين وثلاثة أشهر.
وبين هذا وذاك، يبدو أن حرشي لم يكتف بملايين الليرات. فبحسب وثيقة صادرة عن رئيس قطاع الرقابة في هيئة «أوجيرو» بتاريخ 7 آب 1999، تلقى «الريس» كتاب لوم مع اثنين من زملائه «بسبب قبول إكراميات»، ودعاهم «إلى إعادة النظر بتصرفاتهم وتغييرها و إلا إحالتهم إلى المجلس التأديبي».
طوال العامين والثلاثة أشهر، لم تكن وظيفتي حرشي سريتين. مع ذلك، لم يلتفت له المعنيون في البلدية وقائمقامية صور ومحافظة الجنوب ووزارة الداخلية البلديات من جهة ومؤسسة «اوجيرو» من جهة اخرى. بعد إثارة «الأخبار» لبعض ملفات مغارة «أوجيرو»، برزت حالة حرشي كنموذج عن الفساد والمحسوبيات وهدر المال العام الحاصل فيها. عرض ملف الأخير في وسائل الإعلام، ما اضطره تحت الضغط الشعبي إلى إعلان استقالته.
لكن مصادر مطلعة أكدت لـ«الأخبار» أن حرشي لم يتقدم باستقالته بشكل رسمي إلى قائمقام صور وتعتبر حتى مساء أمس حبراً على ورق. وبحسب المصادر، استبق الرئيس – الحارس تدابير كانت تُحضّر بحقه من قبل وزارة الداخلية والبلديات ومحافظ الجنوب لإقالته تنفيذاً لنص المادة 29 من قانون البلديات.
في العباسية، انقسم الأهالي بين مؤيد لخطوة رئيس بلديتهم ومعارض لها. حرشي المنتمي إلى حركة أمل قال في بيان استقالته متوجهاً لأهالي العباسية إنه «منذ تكليفي بمهام رئاسة البلدية اعتبرتها منذ اليوم الاول تكليفاً لخدمتكم وليس تشريفاً او منصباً ألهثُ إليه»، متحدثاً عن «حملات التّشويش والتّشويه الذي اتّبعها بعض الفاشلين والحاقدين من أعداء النجاح والتقدم». وبرغم أن عمله «لم أخفه يوماً عن أحد وبما أن القانون فوق الجميع، إخترتُ وظيفتي التي لم تُعرقل عملي الاجتماعي والخَدَماتي يوماً، لأنني تعلمتُ من إمام الوطن والمقاومة السيّد موسى الصّدر ومن قائد التنمية والتحرير دولة الرَّئيس نبيه بري، أننا في خدمة الناس ولسنا أوصياء عليهم». أعضاء «أمل» السبعة في المجلس البلدي أعلنوا أيضاً استقالتهم الشفهية تضامناً مع حرشي. «وبما اننا تعاهدنا على ميثاق شرف بأن ندخل البلدية معاً ونخرج منها معاً، قررنا الإستقالة التي لا عودة عنها إلا بعودة حرشي معنا».
إشارة إلى أن المجلس البلدي كاد يفقد نصابه قبل ثلاثة أشهر، عندما وقع خلاف بين الأعضاء المحسوبين على حزب الله من جهة و بين حرشي وأعضاء «أمل» من جهة أخرى. إلا أن أعضاء الحزب السبعة عادوا عن استقالاتهم لاحقاً. وفي حال أصر وحرشي و زملاؤه السبعة على الإستقالة، تعتبر بلدية العباسية في حكم المنحلة.