كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
هل تَبدّل موقف «مجموعة العشرين» من الرئيس سعد الحريري، أم غيّر الأخير سياسته، فأصبح أقرب إلى رؤية المجموعة، وخصوصاً عندما بدأت الأمور تلامس الخط الأحمر الذي ليس بإمكان أحد تجاوزه: الانقلاب على الطائف؟
الجواب عند الرئيس المكلف سعد الحريري مُختصر: «لن أتراجع ولن أعتذِر»، كما ينقل المقرّبون عنه، رداً على ما يثار في الإعلام عن وجوب تقييده بمهلة زمنية، حتى لا يبقى التكليف مفتوحاً. يعني ذلك، أن الشرخ قابل للإتساع بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يقابله تأييد ودعم من داخل البيئة السنية، بما فيها تلك التي عارضت خياراته قبل سنتين.
بدايةً من اللقاء الرباعي الذي جمَع الحريري برؤساء الحكومة السابقين في الثلاثين من حزيران الفائت، بعنوان «رفض المسّ بصلاحيات رئيس الحكومة». مواقف عدّة للمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان تصبّ في خانة دعم «الرجل السني الأول». مجموعة العشرين» التي سبق أن عارضت خيارات رئيس تيار المستقبل في زمن التسوية السياسية الرئاسية تبدّل خطابها فجأة، لكن على قاعدة تبني رئيس الحكومة خياراتها السياسية، وتحديداً لناحية عدم الثقة برئيس الجمهورية «وخياراته الدستورية والسياسية». هذا الدعم المثلث الأضلاع يدفع الحريري الى التشّدد أكثر في موقفه، ويجعل خياراته محكومة بين السيئ والأسوأ: إن استمر بالنهج ذاته في مسايرة العهد، خاطرَ بخسارة ما تبقّى له من شارع وجمهور، وخصوصاً أن العنوان المشكو منه كبير جداً، أي الانقلاب على الطائف، وقد يرتّب ذلك عليه ما لا تُحمد عقباه، لبنانياً وسعودياً.
إن هو يمّم وجهه شطر الرياض وانقلب على التسوية الرئاسية، سيواجه بتشدّد أكبر في الداخل، ولا سيما إن اعتبر الطرف الآخر للتسوية (وهو كذلك) بأن السقوف التي يرفعها الحريري ليست سوى جزء من خطّة سعودية لضرب العهد، واستهداف لشخص الرئيس ميشال عون، ومن خلال إستهداف حليفه حزب الله.
في الحالة الأولى، يبدو الحريري مقتنعاً بأن مثل هذه «المقامرة» ستكون خطيرة. سبقَ أن أثبتت الإنتخابات النيابية الأخيرة هذا الأمر. وربما ستُصبح أكثر خطورة، إن هو تراجع من دون أثمان، عن تمسّكه بما تريده المملكة حكومياً، لا بل على مستوى الصلاحيات الدستورية. مسار المهادنة مع السعودية دشنه بإستبعاد مدير مكتبه نادر الحريري عن المطبخ الداخلي، وثبّته أخيراً بتبنّيه المُطلق لمطالب القوات اللبنانية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، حكومياً.
هذا المسار الجديد حوّل المعارضين للحريري الى مؤيدين له. ثمة من يقول صراحة في «مجموعة العشرين» بأننا عبّرنا قبل سنتين ونيّف عن اعتراضنا على التنازلات المتتالية التي قدمها الرئيس الحريري، سواء بتبنّيه أولاً ترشيح النائب سليمان فرنجية، ومن ثم تبني ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية. شمل اعتراض المجموعة أيضاً صيغة القانون الإنتخابي وجرى تحذيره من نتائجه مسبقاً، وتم تشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس عون، وطالبناه بعدم تقديم تنازلات، غير أن الأمور تبدّلت اليوم. المجموعة نفسها، في اجتماعها الأخير كهيئة تشاورية، عبّرت عن دعمها المُطلق للحريري. اللقاء الذي اعتذر عن عدم المشاركة فيه كل من: الوزير السابق رشيد درباس والوزير السابق عمر مسقاوي ورئيس تحرير «اللواء» صلاح سلام، حضره كل من الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، المفتي مالك الشعار، الوزير السابق خالد قباني، محمد بركات، أمين حوري، عمر عصام حوري، محمد السماك، رضوان السيد، فاروق جبر، محمد السعودي، محمد سنو، أحمد الغز، بشار شبارو. فيما استثني من الدعوة الوزير نهاد المشنوق.
يقول أحد أعضاء المجموعة إن «التنازلات التي قدمها الحريري أصبحت من الماضي». وإن رئيس الحكومة المكلّف «بدأ يتصرّف بمسؤولية». وفي هذا الإطار، لفت الشيخ الشعار إلى أن «كل الحاضرين في الاجتماع الأخير أبدوا دعمهم للحريري». وقال لـ«الأخبار» إن «الدستور يعطي رئيس الحكومة المكلف الحق الكامل في أن يختار التشكيلة المناسبة». وفيما لفت إلى «أن المجتمعين تربطهم علاقة أكثر من ممتازة به»، أكد أن «اللقاء لم يحصل إلا لدعمه ودعم مقام الرئاسة الثالثة الذي يمثلنا، وأيضاً دعماً للدستور الذي انبثق من إتفاق الطائف».
إذاً، تبدّلت النغمة. لم يعُد الحريري وحيداً في طائفته. وضعه صار مختلفاً اليوم. هو محصّن إلى حد ما في بيئته. أما بشأن موقف المملكة، فيكفي معرفة أن رضوان السيّد كان حاضراً في الاجتماع نفسه، ومؤيداً وداعماً للحريري. حضور يُمكن البناء عليه للقول بأن الإشارات التي يرسلها رئيس الحكومة بدأت تحفر في الطريق للتطبيع الكامل مع المملكة. من يعرف السيد وعلاقته بالسفارة السعودية في لبنان، يستطيع أن يفهم معنى أن يكون «مولانا» موجوداً وموافقاً ومباركاً!