تحقيق رولان خاطر
هي ليست المرة الأولى التي يُكتب فيها عن ذلك “الوحش” الذي ينهش الجبال والطبيعة، من اجل “وحوش” المال والسلطة الذين يقومون ويغطون عمل الكسارات والمرامل في لبنان.
ولعلّ الجريمة الأكبر التي قامت بها السلطة السياسية في لبنان، عندما تبنّت في العام الفائت تقريباً اقتراحاً تقدم به وزير البيئة طارق الخطيب، فتح المجال امام تسوية اوضاع المرامل والكسارت غير المرخصة، بمعنى آخر، أعطت السلطة بكل وقاحة الشرعية لـ”غير الشرعي”، ضاربة بعرض الحائط قانون البيئة، ومرسوم تنظيم عمل المقالع والكسارات.
أهي “مجزرة بيئية” أم “جريمة بيئية” أم “انتهاكاً للبيئة” ولهيبة القانون والدولة وصحة الأهالي. الأكيد أنها من هذا كلّه. فمهما كثرت الكلمات، لا يمكن وصف ما تقوم به الكسارات المعروفة بكسارات “بو حمدان” في جبل “التويتة” في زحلة. فالجبل صار أرضا بور تستخرج منه الرمال والبحص و”الغبار”. والصور والفيديوهات التي ننشرها، تظهر حجم التشوّه الذي اصاب الجبال والطبيعة والأثر البيئي الضار على المنطقة والمحيط.
ماذا يقول القانون؟
يبدو جلياً في الصور والفيديوهات، ان هناك مخالفة كبيرة لقانون البيئة، التي تنص المادة 21 منه، على انه على الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص اجراء دراسات الفحص البيئي المبدئي أو تقييم الأثر البيئي للمشاريع التي قد تهدد البيئة، بسبب حجمها أو طبيعتها أو اثرها أو نشاطاتها. وتراجع وزارة البيئة هذه الدراسات وتوافق عليها بعد التأكد من ملاءمتها لشروط سلامة البيئة واستدامة الموارد الطبيعية”.
والسؤال، هل درس بو حمدان، ومن منحه رخصة العمل في الكسّارة، الأثر البيئي لأعماله؟
أما العقوبة على ذلك، فالمادة 58 من قانون البيئة واضحة، بانه “يعاقب بالسجن من شهر الى سنة وبالغرامة من خمسة عشر مليون الى مئتي مليون ليرة لبنانية ، او باحدى هاتين العقوبتين، كل من ينفذ مشروعا يستوجب دراسة فحص بيئي مبدئي او تقييم الأثر البيئي من دون اجراء هذه الدراسة مسبقا او اخضاعها لرقابة وزارة البيئة والوزارات والادارات المختصة(….) وفي حال تكرار المخالفة، تتضاعف العقوبة”.
في الصور والفيديوهات الظاهرة، يبدو ان كسارة بو حمدان تعمل يومياً بشكل طبيعي، من دون خوف ولا رقيب. وخلافاً للقانون وللمراسيم.
فمرسوم تنظيم المقالع والكسارات، وضع الضوابط والمعايير الذي يجب العمل بموجبها في الكسارات.
فالمادة 25 تقول: “يعاقب مستثمر كل مقلع دون ترخيص أو بعد انتهاء مدة الترخيص أو بعد صدور قرار انتهاء الاشغال واقفال المقلع، او رغم صدور القرار بالتوقيف الموقت عن العمل بالسجن من شهرين الى سنة وبغرامة تراوح بين خمسين مليون ومئة مليون ليرة لبنانية او بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حال التكرار تضاعف العقوبة ويمكن ان يتضمن قرار المحكمة سحب الترخيص موقتا او نهائيا ومصادرة كل المعدات او الاليات او بعضها ولا يحول الحكم المذكور دون حق الادارة بمطالبة المستثمر باعادة تأهيل المقلع على نفقته”.
أما الفقرة الثانية من المادة نفسها، فتقول ان “كل مخالفة اخرى لبقية احكام هذا المرسوم او لشروط الترخيص، يعاقب عليها بالسجن من شهر الى ستة اشهر او بغرامة من عشرة ملايين الى عشرين مليون ليرة لبنانية او بإحدى هاتين العقوبتين(…)، وفي حال مخالفة شروط الترخيص، يعاقب بالعقوبة ذاتها من يشغل كسارة خارج المقالع، دون اذن، ويمكن ان تتضمّن العقوبة مصادرة الكسارة وكل معداتها”.
هذه القوانين واضحة ولا تنفذ بحق بو حمدان، الذي يبدو أنه حقق ويحقق ملايين الدولارات جراء تفجير الجبال، خصوصاً أن موقع IMLebanon علم انه منذ نحو 8 سنوات تقريباً، تقدم أحد المتضررين المالكين لعقارات في محيط الكسارات، بدعوى قضائية بحق بو حمدان، أُجبر بموجبها على وقف الأعمال في الكسارات، إلا أنّ السخرية ان الأخير عاد واستأنف الأعمال، وعلى مرأى من أصحاب السلطة ومراجع القانون، بغطاء سياسي من مراجع حزبية كبرى في الدولة.
طريقة ذكيّة في هدم الجبل!
لا يهدأ العمل في الكسارات، فيقول أهالي بلدات زحلة، وجديتا وكفرسلون، وهي البلدات التي تحيط بالكسارة، إن الانفجارات تُسمع حتى في ساعات الليل، وإنّ قوة التفجيرات ترعد البلدات، وتهزّ البيوت، حتى أن البعض يتخوّف من أثرها على الأبنية والمنازل، خصوصاً أن احد البيوت القريبة منها الكسارة تهدّمت جدرانه جراء التفجيرات.
أما الأخطر، فهي طريقة التفجير التي ينفذها عاملو الكسارة. فهم يحفرون خندقاً كبيراً في أسفل الجبل، على عمق امتار طويلة، وهذا ما يظهر في الفيديو، ويزرعونه بالمتفجرات، ومن ثم يقومون بعملية التفجير، فيسقط الجبل بكامله، محدثاً أصواتاً ترعب الكبار والصغار وتزعزع المنازل وتؤثر في الآبار فتغور المياه وتختفي، وترتفع كتل هائلة من الغبار تلوث الهواء والمنازل والبساتين والحدائق. وبما ان منطقة الكسارات هي منطقة غنية بالأشجار الحرجية والسنديان المعمر، فانه يتم قلعها عند كل تفجير.
وذلك بحسب كتاب يتحضر مالكو الأراضي والعقارات المحيطة بالكسارات لرفعه الى وزير الداخلية نهاد المشنوق.
المالكون!
وقّع سكان ومالكو الأراضي والعقارات المحيطة بالكسارات عريضة طلبوا فيها توقيف جميع كسارات التويتة، جراء الاضرار الكبيرة الناتجة عن تشغيلها. فهي، ناهيك عن انها تشكل مجزرة بيئية بالبشر والحجر، فتلك الكسارات غير مرخصة قانونياً، ولا تراعي أصول العمل في الكسارات، كما ان منطقة التويتة هي منطقة سكنية وسياحية وزراعية راقية. العريضة وقعت، وسيحملها المعنيون الى محافظ البقاع كمال أبو جودة لرفعها بواسطته الى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق. مع عدم استبعادهم زيارة قد يقومون بها الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لوضعه في أجواء معاناتهم.
بلدية زحلة… “لا حول ولا قوة”!
رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب قال لـIMLebanon: “كمجلس بلدي نحن ضد 3 أمور: الكسارات والمرامل، ضد مصانع الورق التي تلوث البيئة، وضد صناعة الاسمنت. ما يهمنا ان لا نخرّب جبلنا ولا هواءنا ولا مياهنا، وهذا قرار متخذ داخل المجلس البلدي ونعمل منذ فترة لأن نحوّله إلى قانون، يصدر من مجلس النواب.
أما في ما خص الكسارة التابعة للمدعو بو حمدان، فنحن لم نوافق على كساراته التي أكلت الجبل بكامله، انما ما حصل، أن بو حمدان استحصل على إذن رسمي من إحدى الوزارات على أن هناك مشروع عمل يربطه بالدولة اللبنانية، وعند انتهاء هذا المشروع يتوقف العمل.
“حركة أمل” تبارك “الفوضى”!
كلام رئيس البلدية، لا بد ان يطرح أسئلة بديهية، ما هو هذا العمل الذي لم ينته منذ نحو 20 سنة تقريباً؟
ولماذا هذه الازدواجية في الصلاحيات والانتقاص من سلطة البلدية التي منعت إقامة كسارات، فيما يعطى إذن آخر من وزارة الداخلية أو البيئة أو اي وزارة أخرى؟ وهل هناك مَن أدرى بمصلحة أهل زحلة غير أهلها؟
وانطلاقا من كلام “الريّس”، يبدو واضحا ان هناك تحايلا على القانون، من قبل بو حمدان، فهو بحسب ما يقول الأهالي، إن لديه غطاء سياسياً من “حركة امل” ومن الرئيس نبيه بري، الأمر الذي مكنّه من متابعة عمله بشكل واضح وعلني من دون أي اعتبار لمصالح البلدة، وللأضرار الذي يعكسها عمله في تفجير الجبل، على البيئة وعلى المياه وعلى ارتفاع نسبة التلوث، وعلى صحة الأهالي، إضافة إلى ضرب القانون بعرض الحائط، لمصالح شخصية وقد يكون اختلط فيها الحزبي والفئوي وغيره.
من هنا، ومن دون وضع قفازات، ما يقوم به بو حمدان عمل شخصي اناني، لا يجوز السكوت عنه، لا بل يجب معاقبته، مهما علا الغطاء والدعم السياسي. فلا شيء أهم وأقدس من القانون. ومكافحة الفساد، من هنا، تبدأ.