في مقابل تريث رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في وضع الحل النهائي للعقد التي لا تزال تمنع ولادة حكومته الثالثة، يرسم “التيار الوطني الحر” ما يمكن اعتبارها حدود مطالبه في الفريق الوزاري المنتظر، وإن كانت المواقف هذه تضعهم في مواجهة عدد من القوى السياسية الوازنة والفاعلة، ليس أقلها “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، علما أن كثيرا من الدائرين في فلك العهد يؤكدون السعي إلى أن تكون حكومة العهد الأولى نقطة التقاء الجميع تحت سقف المشاركة الفاعلة في عهد “بيّ الكل”.
ففي وقت لا يخفى على أحد أن رحلة المفاوضات الحكومية الشاقة أطاحت الجزء السياسي من “تفاهم معراب” الذي وضع حدا للخصومة التاريخية والدامية بين “التيار” و”القوات”، دخل رئيس الجمهورية ميشال عون شخصيا على خط الاشتباك بين الشريكين المسيحيين، ليؤكد أن تفاهم كانون الثاني 2016 انتهى، وهو لا يلزم الرئيس المكلف لأنه لم يكن حكوميا أصلا، رافعا بذلك حدة السجال بين الطرفين، بعدما كسبت “القوات” موافقة رئاسية على منحها حقيبة سيادية في الحكومة العتيدة.
ومن باب “رفض الاحتكار” و”احترام نتائج الانتخابات”، قرأ البعض في مواقف عون الأخيرة تمسكا بضم النائب طلال أرسلان إلى التوليفة الوزارية، وهو ما أكده لقاء قصر بسترس بين أرسلان ورئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل. كل هذا من دون أن يستبعد عون اللجوء إلى حكومة الأكثرية، في محاولة لتسهيل المهمة الحريرية الصعبة.
وفي السياق، أوضحت مصادر في “تكتل لبنان القوي” لـ”المركزية” أن “حكومة الأكثرية قد تكون مخرجا لأن الأمور بدأت توحي بأزمة، وهو طرح في اتجاه الرئيس المكلف لتسهيل مهمته. لكن هذا لا يناقض مطلبنا في حكومة وحدة وطنية”.
وتعليقا على دفع عضو “التكتل” نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي في اتجاه انتقال “تكتل لبنان القوي” إلى المعسكر المعارض، في موقف لم يستسغه كثير من مراقبي المشهد السياسي، لفتت المصادر إلى أن “طرح الانتقال إلى المعارضة قد يحمل نوعا من “الزكزكة”، علما أننا لسنا بطبيعة الحال في وارد الوقوف في وجه عهد العماد ميشال عون”.
وعن الرسائل العونية من قصر بسترس في اتجاه المختارة، في ضوء تمترس كل من جنبلاط وأرسلان خلف مواقفهما، معطوفة على تلويح برتقالي برفض إعطاء جنبلاط “الميثاقية الدرزية” لوضع العصي في دواليب الحكومة عند كل مفترق طرق، لفتت المصادر إلى أن “القضية لا تتعلق بالمواجهة مع النائب السابق وليد جنبلاط. نحن متمسكون بمبدأ عدم احتكار أحد تمثيل طائفة معينة. ثم إن الوزير طلال أرسلان حليفنا ورئيس كتلة “ضمانة الجبل”، التي ستجتمع الخميس المقبل بدعوة من النائب ماريو عون، لتأكيد رفض الاستئثار الطائفي لأي من المرجعيات السياسية، لأن في ذلك مسّا بالميثاقية التي قام عليها لبنان. ومن المفترض أن يضع جنبلاط بعض الماء في نبيذه ويقدم تنازلات لصالح الدولة حتى تدور عجلتها مجددا، علما أنه يعرف جيدا أن إذا كان “الحزب الاشتراكي” يمثل 90% من الدروز، فإن هذا لا يعني أنه ممثلهم الوحيد، وهو ما أظهرته الانتخابات النيابية الأخيرة”.
وفي ما يخص الدخول الرئاسي على خط الاشتباك العوني – القواتي، في ما اعتبر إسهاما في الإجهاز على “اتفاق معراب”، ذكّرت المصادر العونية أن “هذا الموقف ليس جديدا. قلنا ذلك منذ شهر حيث أعلنا أن تفاهمنا السياسي سقط، علما ألا عودة عن الاتفاقات الجوهرية المرتبطة بالمصالحة، وعلينا العمل على ترميم التفاهمات السياسية بعد تأليف الحكومة، وإن كان هذا الأمر رهن التطورات في المرحلة المقبلة”، علما أن “لا فيتو على “القوات”، لا على العدد ولا على الحقائب التي تسند إليها، غير أننا لا نزال مقتنعين بأن من حقهم الحصول على 3 وزارات”.
وفي رد على الكلام عن أن “التيار” غير مرتاح إلى تأييد الحريري لمطالب “الاشتراكي” و”القوات”، أكدت المصادر “أننا لسنا “محشورين”، لكننا نقول إننا نساعد الرئيس المكلف، وهو لا يحدثنا لأن لا جديد يقوله لنا. وهو يحب “الاشتراكي” و”القوات” كثيرا، وهذه المحبة الزائدة قد تكون الدافع وراء تأييده مطالب معراب والمختارة، لكن هذا لا يهدد الاتفاق المبرم مع “التيار” لأن الأولوية معطاة دائما لمصلحة الدولة”.