يُعاني المغتربون اللبنانيون في بلدان أميركا الجنوبية، منذ فترة، من حملات تحريض وتضييق وتشهير بحقهم، تقودها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، في ظلّ «عجز» لبنان الرسمي عن تأمين الحماية لمواطنيه في الخارج
«الحدود الثلاثية» في أميركا الجنوبية، أي النقطة التي تجمع حدود ثلاثة بلدان هي البرازيل والأرجنتين والباراغواي، تُعرف أيضاً لدى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وحلفائهما بـ«مُثلّث الإرهاب». وتُهمة الإرهاب، يُطلقها هؤلاء بوجه قسم كبير من المغتربين اللبنانيين في البلدان الثلاثة، ومن مختلف الانتماءات المناطقية والطائفية، بحجّة قيام هؤلاء المغتربين بتجارة غير مشروعة وغسل أموالٍ لمصلحة حزب الله، فضلاً عن جمع الأموال للمقاومة في لبنان.
تحت هذه «الراية»، بدأ الاستهداف الأميركي للمغتربين اللبنانيين، قبل سنوات طويلة، مُتّخذاً أشكالاً متنوعة، بدءاً من التشهير بهم في وسائل الاعلام، والتضييق عليهم ومراقبتهم، وصولاً إلى اعتقالهم… ولو من بلد ثالث، كما حصل مع رجل الأعمال قاسم تاج الدين الذي «اختطفته» الولايات الأميركية في مطار المغرب، وهو في طريقه من كوناكري الأفريقية إلى لبنان.
آخر ما حصل مع اللبنانيين في أميركا الجنوبية، كان صدور أوامر من السفارة الأميركية لدى الباراغواي باعتقال كلّ من نادر فرحات ومحمود بركات، اللذين لا يزالان يقبعان في السجن في أسونسيون، منذ أيار وحزيران الماضيين. ولكن، الأمور تأخذ منحى تصاعدياً، مع استعار الحملة ضدّ المغتربين، وبدء تسجيل عودة عائلات من الباراغواي إلى لبنان، خوفاً من اعتقالات جديدة.
تقول مصادر معنية بملف المغتربين في «المُثلّث الحدودي» لـ«الأخبار» إنّه وُجّهت نصيحة لعددٍ من العائلات في الباراغواي بترك البلاد والعودة إلى لبنان، «بعد الاطلاع على تقارير استخبارية، تُفيد بمراقبة تُجار لبنانيين وحركتهم بالتفاصيل المُملة. ومن المُفيد الإشارة إلى أنّهم ينتمون إلى أديان وطوائف مُتعدّدة، بما يؤكد وجود حملة ممنهجة ضدّ كلّ اللبنانيين».
تتوزع مراقبة اللبنانيين في الباراغواي على ثلاث جهات أميركية، «يُدقق أفرادها في حركة المغتربين، ويقومون بإرسال مُخبرين لمحاولة الإيقاع بالتُجّار اللبنانيين». لا مُبالغة في القول إنّ عين «الأخ الأكبر» مفتوحة على كلّ الجالية اللبنانية في الباراغواي. تقول المصادر ذلك، مُستندةً إلى «التحقيق مع نادر فرحات، حين طُلب منه تقديم تفاصيل عن عددٍ كبير من اللبنانيين». لا بل أكثر من ذلك، «عُرض على نادر فرحات ومحمود بركات الوشاية بلبنانيين آخرين، مُقابل تسوية وضعيهما، وهو الأمر الذي لم يقبل به الرجلان». ولكن، ومن باب «حسن النيّة»، ولتأكيد براءته مما أُلصق به، «يريد محمود بركات التوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية، لمُحاكمته هناك، رغم مُحاولات الجالية والدبلوماسية اللبنانية في أسونسيون ثنيه عن ذلك». إضافة إلى النوع الأول، الذي نُصح بترك الباراغواي، هناك نوعٌ ثانٍ من اللبنانيين «قرّر المُغادرة من تلقاء نفسه، نتيجة الخوف من الأوضاع الأمنية، والتراجع الاقتصادي، فنجد من يبيع أملاكه بأبخس الأسعار من أجل السفر».
ليس الأفراد اللبنانيون وحدهم من يخضعون للمراقبة، بل المركز التربوي اللبناني في الباراغواي أيضاً! سيارات تابعة للسفارة الأميركية في البارغواي قامت قبل أيامٍ بتصوير المركز ومحيطه، وقد سجّلت كاميرات المركز التربوي حركتهم. ولا أحد يعلم «ما الهدف من تصوير مدرسة، هي الأكبر في الباراغواي، وتضم تلامذة من جنسيات متنوعة»، بحسب المصادر نفسها.
لم يعد هؤلاء المغتربون يشعرون بالأمان في بلدان إقامتهم، «وأسهم في تردّي أوضاعهم حُكم الرئيس هوراسيو كارتيس، المرتمي في حضن السياسة الأميركية والصهيونية، وكان من أوائل المنضمين إلى ما يسمى «صفقة القرن»، بمسارعته إلى نقل سفارة الباراغواي إلى القدس المحتلة». لذلك، تُعقد الآمال حالياً على انتقال السلطة في 15 آب إلى الرئيس المُنتخب ماريو عبدو، اللبناني الأصل، الذي استقبل قبل فترة السفراء العرب، مُشدداً أمامهم على مصلحة بلاده في تطوير العلاقات مع الدول العربية، وملمّحاً إلى إمكانية إعادة النظر في قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة».
من الباراغواي إلى الأرجنتين، حيث أُعيد تحريك حملة ضدّ ما سُمّي «نشاط حزب الله الإرهابي»، مع ارتفاع أصوات تدعو الأرجنتين إلى تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية. اتُّخذ من ذكرى تفجير مقر الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية (آميا)، في تموز 1994، ذريعةً لنشر تقارير عدّة حول منطقة «الحدود الثلاثية».
تقارير عدّة عمّمها الموقع الإخباري «إنفو باي» الأرجنتيني، أبرزها أربعة نُشرت ما بين 14 تموز والأول من آب. التقرير الأول، خُصّص «لعشيرة آل بركات التي تُموّل حزب الله، في أميركا اللاتينية، ويرأسها أسعد بركات». الأخير اتُّهم بالتهرّب الضريبي، وحُكم عليه بالسجن ستّ سنوات، قبل أن يُدرج على لائحة العقوبات الأميركية في الـ2004، وتصفه وزارة الخزانة الأميركية بأنّه الذراع اليُمنى للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ذكر التقرير أنّ عصابات الاتجار بالمخدرات هي مثل عصابة كوماندو فيرميلو البرازيلية أو الكارتيل المكسيكي، «يتعاونون مع شبكات تمويل حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية».
في 18 تموز، خُصّص تقرير «يُملي» على الحكومة الأرجنتينية إعلان حزب الله منظمة إرهابية، لا سيّما «بوجود أدلة في الهجمات على السفارة الاسرائيلية (عام 1992) وهجوم آميا (1994)». ويستعين الموقع بالرئيس السابق لمكافحة غسل الأموال والإرهاب في الأرجنتين خوان فيليكس مارتو، الذي قال إنّه «يجب على الأرجنتين أن تضع هذه المنظمة على رأس قائمتها للمنظمات الارهابية، ومع الإرهاب لا يمكنك أن تكون محايداً». ترافق ذلك مع إصدار الحكومة الأرجنتينية قراراً بتجميد أصول شركات، تُتّهم بتمويل حزب الله في الأرجنتين.
التقرير الثالث نُشر في 27 تموز، مُعنوناً: «هل نحن مكشوفون أمام الإرهاب الإسلامي؟». يُساوي التقرير بين المجموعات الإرهابية التي نفّذت اعتداءات إرهابية في بلدانٍ أوروبية، وبين حزب الله، وصولاً إلى «التحذير» من أنّ «الهجمات بالأسلحة أو دهس الشاحنات ليست جزءاً من يومياتنا، ولكن حزب الله وغيره من المنظمات أنشأت خلايا يُمكن أن تتحرك بين لحظة وأخرى».
التحريض الأقوى ضدّ اللبنانيين أتى في التقرير الأخير المنشور في 1 آب، بعنوان: «سلمان رؤوف سلمان، إرهابي حزب الله الذي نسّق عمليات تهريب المخدرات وغسل الأموال في أميركا اللاتينية». يُعرّف التقرير سلمان بأنّه «قائد الخلية التابعة لحزب الله، والمُشغّلة من قبل النظام الإيراني، التي نفذت تفجير آميا». وقد نُشرت أسماء لبنانيين آخرين، يتّهمهم تقرير موقع «انفو باي» برئاسة شبكات مخدرات وغسل أموال، ويملكون شركات على صلة بحزب الله. اللبنانيون هم عبدالله رضا، سامر عقيل رضا، عادل محمد شرّي. وقد «وعد» التقرير بأنّ «هذا النوع من العقوبات والحالات القانونية سيتضاعف في الأسابيع المقبلة».