كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
بساطة في المظهر زائدة عن حدّها لا تذكّر سوى ببساطة نساء الغرب بأدوارهنّ المؤثرة. «عقل» ميشال عون منذ تكوّن وعيها السياسي ومستشارته الرئيسية بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، يحجز «ظلُّها» موقعاً ثابتاً في فريق «المقرّرين» في القصر الجمهوري. لا يُذكر اسمُ ميراي عون إلّا ويرافقه التساؤلُ الكبير عن الدور المستقبلي لها في تركيبة «التيار الوطني الحر» الحزبية وفي مسارِه السياسي!
تُعلنها ميراي بالفم الملآن «أنا لديّ قضية لا طموحات سياسية. وفي اللحظة التي يخدم الموقعُ القضية يصبح مجرّدَ وسيلة».
تُسقط هذا الواقع على وجود عون اليوم في رئاسة الجمهورية «الرئاسة لم تكن هدفاً بحدّ ذاته، وإلّا لم يكن ليتنازل لميشال سليمان عام 2008. بعدها أيقن أنّ خدمة القضية لا تتمّ إلّا من خلال السلطة وتنفيذ برنامج حكم، فتمسّك بهدفه حتى لو ولّد فراغاً رئاسياً لفترة معيّنة».
منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قُدِّم عرضُ التوزير لـ «المناضِلة». في المتن طالبها عونيون بالترشح الى الانتخابات. وربما لو فُتحت صناديقُ الاقتراع في موعدها عام 2013 كان يمكن أن تكون وريثة «مقعد الجنرال» في كسروان. يومها شامل روكز كان لا يزال «مشروع» قائد جيش. اليوم يتردّد إسمُها في الصالونات للتوزير لكنّ «انغماسَها» الكليّ في مهامها الحالية يبعد هذا الاحتمال، كذلك صعوبة وجودها مع باسيل في حكومة واحدة!
عقدٌ إستشاري بليرة واحدة وكلمة مسموعة في «القصر». هي بالتأكيد المستشارة الأولى لرئيس الجمهورية. غالباً ما يأخذ باقتراحاتها وأرائها. تقول ممازِحةً «إنه الـ DNA». لن يكون مستغرَباً أن تجلس خلفه على أعلى منبر دولي في الأمم المتحدة في نيويورك.
الخيارُ الحزبي والعملُ الى جانب والدها، رئيس البلاد، يتقدّم على كل الأولويّات. البنتُ الكبرى لـ «الجنرال» التي ترعرعت على صوت الأجهزة العسكرية هي «مربى ثكناتٍ وأديرة» وخياراتٍ سياسيّةٍ قاسية وصعبة واكبتها وعايشتها بتفاصيلها تحديداً منذ الـ 88 تاريخ تولّي والدها قيادة الحكومة العسكرية.
لن يكون المنفى سوى الممرّ الإلزامي نحو رسم مسارها المهني. حاملة ماستر في إدارة الأعمال والمعلوماتية باختصاص «الذكاء الاصطناعي». أما النضال، بمفهومه الحزبي الملتزم، فقد دشّنته مع عودة «الجنرال» من «السجن الكبير».
واكبت التأسيسَ حتى العام 2010 تاريخ إستلامها إدارة «مكتب الجنرال» على مدى ثلاث سنوات. يومها استلمت بطاقتها الحزبيّة بعد تأخيرٍ فرضَه خطأٌ في الإسم في طلب الانتساب!
شريكةٌ أساسية في صياغة النظام الحزبي لـ «التيار الوطني الحر» لكنها لم تنجح في تعديل «بوصلته» النهائية التي أفرزت سريعاً نواة معارضة «عونية» بسبب ما اعتُبر حصراً للصلاحيات بيد رئيس الحزب. تقول عون لـ»الجمهورية» «الأنظمة ليست منزَلة. هي متحرّكة وديناميكية. لذلك وضعنا لجنةً دائمةً لتطوير النظام».
قاعدة تستند اليها في مواجهتها للهزّة التي ضربت «التيار» من الداخل، في الإجابة عن كل الاسئلة المُحرِجة. عن جبران والرئيس. عن جبران والمعارضة. عن مصير «العونيين» بعد عون.
تقرأ ميراي عون سلوكاً صار متعمَّداً في كل مرّة يسلّط الضوء على خلاف قائم بينها وبين باسيل.لا تتردّد في حسم موقفها «من الرحم يولد أحياناً توأمٌ بشخصيّتين مختلفتين، لكنّ أيَّ جدلٍ بشأن هذه المسألة يؤذي القضية التي أؤمن بها». قضيةٌ عنوانُها الأوّل والأساس، برأيها، أنّ «العونيّة» لائحةُ قيَم». أما في الممارسة، فيترجَم ذلك بالتقاط الفرصة للاستثمار في ما سينجزه «الرئيس القوي» في مرحلة ما بعد العهد. تشدّد على عامل «العنصر الأنثوي» في نهضة المجتمعات «لأنّ غيابَه يشكّل خللاً كبيراً».
في ظلّ الغبار الكثيف الذي أحاط بانفصال قياديّين أساسيّين أسهموا في الولادة التأسيسية الأولى للحالة العونية عن الجسم الحزبي إلامَ تبدي عون حرصاً دائماً على لمّ الشمل؟ تقول «الاختلاف أمر طبيعي. في بعض المسائل كنت مع فريق، وفي مسائل أخرى أيّدت الفريق الآخر».
بمطلق الأحوال، تُسلّم لـ «الجنرال بأنه الزعيم الأوحد». تؤكد عون «أيُّ أحد آخر بعد ميشال عون لا يستطيع أن يتعاطى مع «التيار» وفي السياسة كما فعل هو. كونه المؤسّس إمتياز لا يجيَّر لأحد».
يتردّد دوماً حديثٌ عن تقارب بينها وبين معارضين مفصولين من «التيار»، فتوضح: «لم يحصل تباعدٌ أصلاً مع الشباب. دخلت بمفاوضات سابقاً مع المعارضين وقلت لهم لا تكسروا الجرّة. بمطلق الأحوال الأمور قد لا تبقى على ما هي عليه». تقرّ بـ «عِشرة العُمر التي جمعتني معهم»، حيث كانت تفضّل أن لا تصل الأمور الى ما وصلت اليه، وأن يبقوا ضمن التركيبة الحزبية، ومحاولة التغيير من الداخل.
داخل اجتماعات المكتب السياسي تعبّر ميراي عون عن آرائها. «يأخذ بها أو لا، أمر آخر، أين المشكلة أصلاً في الآراء المعارِضة؟ فإذا لم يتمّ الأخذُ برأيي، ولاحقا تبيّن أنني كنت على حق، هنا أكون قد كسبتُ الثقة».
عون كانت ولا تزال مؤيِّدةً أولى لفصل النيابة عن الوزارة وقد جاهرت بذلك علناً، لكنّ العديد من النواب العونيّين سنراهم وزراءَ في الحكومة المقبلة.
تقول رأيها بصراحة «مبدأ الفصل أساسي في إطار المحاسبة ومكافحة الفساد، وقد أيّده رئيسُ الجمهورية حين كان رئيساً للتيار وبعد انتخابه رئيساً للجمهمورية. اليوم هناك رئيس جديد لـ «التيار» وقد قرّر عدمَ السير به»!
متفائلة كميشال عون بمستقبل أفضل رغم كل النكسات. سيسهل رصدُ دموع التأثر في عينيها في كل مرّة تتحدّث فيه عن بلدها الذي تعشقه و»تموت فيه» وتطلب من مواطنيه أن يمارسوا دوماً حقَّهم في «المحاسبة».
تكشف عن محادثة شخصية بين البنت ووالدها قبل انتخابه رئيساً «قال لي إذا قمت بكل الإصلاحات «وما عملت» قانون انتخاب أعتبر أنّ عهدي لم ينجح. وإذا «ما عملت» إلّا قانون إنتخاب سأعتبر عهدي ناجحاً».
تضيف «قانون الانتخاب أعاد التوازن الى الحياة السياسية، كل ما سيقوم به الرئيس بعد ذلك هو «زيادة». وعن إنحفاض نسبة الاقتراع في أوّل انتخاباتٍ في العهد تقول: «ليأخذ السياسيون العبرة».
بحكم موقعها في «القصر» هي في صلب الملفات والاستحقاقات كافة وقد وسّعت مروحة علاقاتها مع السياسيين، لكنّ عملَ العام ونصف تَركَّز على خطة النموّ الاقتصادي، ما يعني برأيها «خلق وظائف وفرص عمل، وتحويل لبنان من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج ضمن خطة قابلة للتحقيق، تأتي من ضمن المؤسسات وبالتنسيق مع رئاسة الحكومة، وبوجود طرف دولي ثالث محايد، وذلك من خلال الدراسة التي أعدّها المكتبُ الاستشاري «ماكينزي»، وستقرّر مصيرَها الحكومة المقبلة».
تنتقد عون مَن هاجم كلفة دراسة «ماكينزي» وجدواها «هي ليست بمقدار كلفة هدر ساعة كهرباء. وكلفتها رخيصة أيضاً أمام مشهد تسابق القوى السياسية لتقديم إقتراحاتِ قوانين لتشريع الحشيشة!».
تتحدّث بتفاؤل عن مشروع إعادة إعمار سوريا: «من ضمن الأحاديث التي أثارها الوفد الروسي أخيراً الحاجة لمساهمة لبنان في إعادة بناء البنى التحتية في سوريا لتأمين عودة اللاجئين. يجب التحضير بمسؤولية لهذا الاستحقاق بعيداً عن العشوائية».
وعن الضجة الكبيرة التي أُثيرت بشأن مرسوم التجنيس تقرّ عون بحصول «حملة غير طبيعية وغير منطقية عليه»، مشدّدةً على أنّ «400 مجنّس لا يقلبون معادلاتٍ ديموغرافيةٍ كمرسوم 1994».
كانت تفضّل «أن يتمّ الإعلانُ مسبقاً عن صدور المرسوم ما يمنحه المزيد من الشفافية مع الإبقاء عليه كما هو، فالرئيس أخذ قراراً ولن يتراجع عنه، وهذا حقّ ومن صلاحيّاتِه، وضميرُه مرتاح لمضمون المرسوم بغض النظر عما أُثير في الإعلام».
تنتقد مَن تكلّم عن «فضيحة المرسوم» الذي راعى، برأيها، عاملي حماية الديموغرافيا والأرض، فيما يتجاهل التركيز على هدر المال العام».
وتنفي بالمقابل «تهمة» تمريرِها أسماءَ ضمن المرسوم «فالعديد من الملفات المستوفية الشروط وصلت الى القصر وفق المسار القانوني».
وتؤكد عون «أنّ تقريرَ اللواء عباس ابراهيم لم يتضمّن 85 إسماً مشبوهاً، بل ملاحظات عن ملفات غير مكتملة».
ومَن يتحمّل مسؤولية صدور مرسوم قد يتضمّن أسماءَ طالبي جنسية غير مستحقين؟ تجيب عون «وزير الداخلية لم يقم بواجبه وفق الأصول. إذا ثبت فعلاً وجودُ أسماء غير مستحقة سيكون هو المقصّر لأنه مهر المرسوم بالتوقيع الأول، والرئيس يتّكل على وزير داخلية يُفترض أن يكون قد قام بعمله في تحريك الأجهزة الأمنية المولجة التدقيق بالأسماء كافة وإيصال ملف لا شائبة فيه و»نظيف» لرئيس الجمهورية». وسألت:»هل تتخيّلون للحظة أن يوقّع عون على مرسوم لأشخاص عليهم «نشرة حمراء» أو غير مستحقين؟».