كتبت دلفين مينوي – إسطنبول – لو فيغارو في صحيفة “الجمهورية”:
مثقلة بوجود أكثر من 3,6 ملايين لاجئ على أراضيها، وضعت الدولة، التي كانت تعوّل على سقوط نظام دمشق، حدّاً لسياسة الاستقبال الخاصة بها وبَنت حاجزاً لا يمكن عبوره على حدودها.
بين الحرب والحياة غير القانونية، استطاع محمد (اسم مستعار)، إبن الـ25 سنة، حسم المسألة: «لقد عبرت الحدود في منتصف الليل، متجاهلاً الخطر». لا يزال صباح آذار 2018 هذا، لديه طعم الخوف على شفاه اللاجئ السوري الشاب الجافّة، ومحمد مختبئ في داخل مقهى اسطنبولي. إنّها المرّة الأولى التي يُخبر بها عن عملية هروبه المجنونة. فقال: «مضت 6 أشهر وأنا أحاول الرحيل. 6 أشهر تتخلّلها دزّينة محاولات فاشلة. لقد تمّ إبعادي مرّات عدّة بواسطة طلقات الشرطة التركية. حتّى أنّه أوقفني حرس الحدود ذات مرّة قبل أن يتم إعادتي إلى سوريا». في هذا الصباح الشهير من شهر آذار، دقّ صديقه بابه وأعطاه زي «الجيش السوري الحر» الرسميّ، وقال: «ارتدي الزيّ بسرعة، سنمرّرك بباص تابع للجنود المناهضين للأسد يغادر في إجازة إلى الجانب التركي».
وكان ذلك خلال الفترة التي شاركت قوات سورية مساعدة في هجوم الجيش التركي لطرد الميليشيات الكردية في جيب عفرين، في شمال سوريا. تردّد محمد للحظة: لم يظنّ أبداً هذا الناشط السلمي، ومناضل داريا (أحد مهود ثورة 2011) ضدّ مبدأ الحرب، أنّه سيضطر يوماً إلى التنكّر كمقاتل. ويقول: «لكنّني في هذه المرحلة، كنت قد فقدت الأمل. في إدلب، بين القصف الروسي – السوري وهيمنة الجهاديين المتزايدة، لم يعد هناك مكان لناس مثلي. لم أستطع إنقاذ بلدي، وتوجّب عليّ إنقاذ نفسي». وفي الأراضي التركية، أرسله مهرّب على الفور إلى بورصة الواقعة شمالاً حيث نجح محمد في الحصول على «كمليك»، وهي بطاقة موقّتة للحماية تؤمّنها السلطات التركية لطالبي اللجوء. وكلّفته هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر ثروة تقارب الـ 2000 دولار.
ولكن في وسط مأساته، كان محمد محظوظاً: فرفيقه المفضّل الذي بقي في إدلب بات اليوم عالقاً لا خيار له. وعلى الحدود التركية – السورية التي يبلغ طولها 900 متر، أصبح الفاصل الذي أقامته أنقرة، منذ شهرين، حاجزاً لا يمكن عبوره.
وقف عمليات التسجيل
بالنّسبة للمغامرين الذين يستطيعون العبور بين الشباك، لم تكن السفرة يوماً بهذه الخطورة: فمع أكثر من 3,6 ملايين لاجئ على أراضيها، أوقفت تركيا بشكل كامل تقريباً تسجيل الواصلين الجدد، ما يعرّضهم لخطر الطرد الفوري. ويشير تقرير جديد لمنظّمة «هيومن رايتس ووتش» إلى أنّ: «السلطات التركية في اسطنبول وفي 9 محافظات أخرى على الحدود السورية أو بقربها قد توقّفت عن تسجيل طالبي اللجوء السوريين الذين وصلوا أخيراً، إلّا في الحالات النّادرة.
وهذا التعليق يؤدّي إلى عمليات ترحيل غير قانونية وعودات قسرية إلى سوريا وإنكار الحق في الصحة والتعليم». وتَذكر المنظّمة غير الحكومية، التي تعتمد على شهادات العشرات من اللاجئين الذين تمّ استقبالهم في منتصف شهر أيار، العديد من حالات الاعتقالات الجماعية والإحالات السريعة إلى سوريا تتعلّق بقرار تعليق تسجيلات اللاجئين: أوّلاً في أنطاكية، مدينة حدودية تركية، في شهر كانون الأوّل 2017، ثمّ في 7 مدن أخرى، منها عنتاب واسطنبول، في كانون الثّاني 2018.
وإنّ السلطات التركية، التي تنكر بشكل كامل عمليات الطرد، بلغت بلا شك حدود قدرتها على الاستقبال. ففي بعض المدن الجنوبية، تجاوز عدد السكان السوريين عدد السكان الأتراك، ممّا تسبّب في خلق توتّرات اجتماعية تتفاقم مع الأزمة الاقتصادية. ويلاحظ مراد أردوغان، مدير مركز الأبحاث على الهجرة والاندماج في الجامعة التركية – الألمانية، أنّه: «في عام 2011، كان عدد اللاجئين الإجمالي يبلغ، من جميع الجنسيات، على الأراضي التركية 58000 لاجئ. أمّا اليوم، فالسوريون وحدهم قد لامسوا الأربعة ملايين. وهذا تغيير ديموغرافي قد تعاني أي دولة في التكيّف معه». إلّا أنّه يرى في تعليق هذه التسجيلات مقاربة سياسية جديدة من قبل تركيا تجاه السوريين. ويضيف المتخصّص التركي في مسائل الهجرة: «لقد تغيّر خطاب الرئيس رجب الطيب أردوغان منذ تحالفه مع المتطرفين القوميين في «حزب الحركة القومية» التركي قبل فترة وجيزة من إعادة انتخابه في 24 حزيران الماضي.
وخلال خطابه، قبل أسبوع من الانتخابات، في مدينة شانلي أورفة، سُمع أنّه قال: لدي الكثير من الاحترام تجاه اللاجئين، ولكن لا تقلقوا، سوف يعودون إلى ديارهم. وهذا خطاب يتناقض مع «سياسية الباب المفتوح» التي اعتُمدت في أوّل سنوات الثورة المناهضة للأسد: «في بداية الثورة، كانت أنقرة قد راهنت على سقوط نظام دمشق السريع. إلّا أنّ المعادلة تغيّرت في عام 2015 مع التدخل الروسي. ومنذ ذلك الحين، فهم الأتراك أنّ اللاجئين ليسوا مستعدّين للعودة إلى وطنهم».
نداءات للعودة
بدأت النداءات التركية للعودة إلى سوريا علناً في عام 2016، خلال عملية «درع الفرات» التركية وطرد داعش من جرابلس شمالي سوريا. وتضاعف عددهم منذ بداية هذه السنة مع «تحرير» عفرين. حتى الآن، يتوزّع عشرات الآلاف من السوريين في «منطقة حرة»، وفقاً لتعبير أنقرة. ويشير مراد أردوغان إلى أنّه: «من الضروري أن تكون عمليات العودة مبنية على أساس التطوع. وفي الوقت نفسه، من المهمّ ألّا يهدّد الخطاب السياسي الجديد برامج اندماج العديد من السوريين المسجلّين الذين يريدون البقاء في تركيا: منح رخص عمل ودروس في الّلغة والتعليم». وإلّا، سيميل اللاجئون مرّة أخرى لسلك طرق غير قانونية. ويحذّر اللاجئ الشاب محمد قائلاً: «من دون ضمانات لمستقبلي، سوف آخذ قارباً متّجهاً نحو اليونان. ليس لديّ ما أخسره».