مع بدء إعادة تطبيق العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عاد لبنان إلى دائرة الضوء الأميركية أكثر من أي وقت مضى، وتحديدا لجهة ما إذا كان الإيرانيون سيستخدمون هذا البلد كحديقة خلفية للتملص من بعض العقوبات، لاسيما وأن الخط البري بين لبنان وسوريا والعراق وأيران متوفر بشكل أو بآخر، وأنه بالإمكان تخطي بعض التدابير الأميركية بأكثر من وسيلة.
في هذه المسألة لا يمكن الحديث عن تواطؤ رسمي لبناني، لأن لبنان الرسمي يدرك مخاطر مخالفة العقوبات الأميركية، وكذلك تدرك قطاعات عدة في لبنان هذه المخاطر، ومن ضمنها مثلا قطاع المصارف الذي سيشدد من التزاماته باعتباره الهدف الأساس في أي وسيلة ضغط على لبنان، كما أن أي مخالفة يمكن أن تنعكس على التعاون العسكري بين البلدين وعلى الدعم الأميركي للجيش اللبناني. إلا انه ورغم هذا الإدراك فإن المخاطر لجهة العقوبات تتصاعد على لبنان وتطال هذه المرة المسائل التجارية، إذا إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان واضحا في أن من يتعامل تجاريا مع إيران لن يتمكن من التعامل مع الولايات المتحدة، وهذا الكلام للرئيس الأميركي يعني مقاطعة أي من الدول المعنية، ويمكن التأكيد أن القطاع التجاري في لبنان لن يخاطر أيضا في تخريب علاقاته بالولايات المتحدة مهما كان حجمها.
وعلى خلفية هذا الواقع يطرح السؤال عن كيفية تعاطي “حزب الله” في لبنان مع هذه المسألة؟
يعارض الحزب أي عقوبات تطال الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا يعترف بها، فهي في كل الأحوال تطاله أيضا. وإذا كان الحزب يعلن عن حرصه على الدولة اللبنانية وقطاعها المصرفي وقدرة الجيش اللبناني، إلا انه في المقابل لن يعدم وسيلة لمساعدة الإيرانيين، وتحديدا السلطة الإيرانية في تخطي مفاعيل هذه العقوبات الأميركية، وذلك تحت عنوان عريض وهو مواجهة المؤامرة الأميركية- الإسرائيلية التي تتعرض لها إيران ومن خلفها كل محور الممانعة.
أن هذا الدور الذي يمكن أن يلعبه “حزب الله” ليس دورا جديدا، بل هو في صلب التزاماته ورسالته وعقيدته، وهو في صلب التعاون والتكامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودورها ومخططاتها في المنطقة، وقد أصبح الحزب جزء لا يتجزأ من منظومة هذه الجمهورية على امتداد المنطقة من لبنان إلى اليمن، كما أنه الذراع الأقوى التي تستطيع المواجهة في جبهات عدة.
العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تعود ب”حزب الله” إلى الوراء، إلا إذا قرر الإيرانيون إعادة النظر في سياساتهم في المنطقة، وهو أمر يبدو أنه ليس واردا في المدى المنظور، وبالتالي فإن الحزب سيواصل لعب الدور الإقليمي المناط به، إلا انه على الصعيد الداخلي اللبناني يبدو أن الحذر في شأن دوره قد يتصاعد نتيجة الضغوط الخارجية، وهو أمر يوجب على الحزب وبقية الفرقاء اللبنانيين التعاون والتنسيق في مواجهة هذه الضغوط واستيعابها كي لا تكون ذريعة تستخدم لإلحاق الضرر بلبنان ومصالحه، وهو ضرر لا يرغب به أي من اللبنانيين ومن بينهم “حزب الله” في هذه الظروف الخطرة.