باتت الملفات السياسية والاقتصادية أبرز محفز سياسي للقوى والشخصيات المعنية بتأليف الحكومة الجديدة. ثمانون يوماً، يصرُّ البعض على اعتبارها «مهلة عادية» بالمقارنة مع الوقت الذي استغرقه تشكيل حكومات ما بعد عام 2008
«في الحركة بركة»، بهذه العبارة لخّص رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري حركته المفاجئة، بين زيارته عصراً رئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة، واستقباله ليلاً رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل. بعد هذا وذاك، أشيعت أجواء إيجابية، لكن المتابعين عن قرب للملف الحكومي، وصفوا الحصيلة بأنها «طبخة بحص».
وعلمت «الأخبار» أن الحراك الحكومي هو نتاج مشاورات شارك فيها الرئيس نبيه بري وحزب الله، وتخللها تبادل رسائل وأفكار، عرض وزير الثقافة غطاس خوري حصيلتها، مساء أول من أمس، مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في بعبدا، وتركّز الحديث على الافكار التي حملها خوري لإعادة تفعيل وتزخيم الاجواء المحيطة بعملية التأليف، على قاعدة عودة التشاور على المستويات المختلفة. وقال مصدر مواكب إن سلسلة مشاورات بعيدة عن الاضواء، في الساعات الأخيرة، أسهمت في إعداد الاجواء لانعقاد لقاء الحريري ـــــ باسيل. يذكر أن غطاس خوري غادر منزل الحريري بعد وصول باسيل إليه، حيث اكتفى بإلقاء السلام عليه.
وعلمت «الأخبار» أن أجواء اللقاء بين الحريري وباسيل كانت «ايجابية جداً»، وكان هناك اتفاق على أن المشكلة «ليست بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري»، وشدد الجانبان على أن العلاقة بين عون والحريري «أقوى من أن يهزها أحد، خصوصاً أن الخلاف ليس حول ما يطالب به التيار الوطني الحر وإنما حول ما تطالب به أطراف أخرى». وتم التأكيد، بحسب مصادر مطلعة على ما دار في اللقاء، على ضرورة «اعتماد مقاربة جديدة أكثر منطقية وفعالية في تأليف الحكومة تضمن عدالة التوزيع بما يؤدي الى تسريع عملية التأليف واختصار الوقت»، خصوصاً ان الرئيس المكلّف «يدرك جيداً بأن الوقت لا يمكن أن يكون مفتوحاً لأن التأخير يأكل من رصيد الجميع». كما جرى التأكيد من قبل رئيس الحكومة المكلف على «أن لا تدخلات خارجية تساهم في تأخير التشكيلة الحكومية».
وكان الحريري قد طلب من رئيس المجلس النيابي المساعدة في حلحلة العقد الحكومية. وقال برّي أمام زواره، مساء أمس، إن «ثمّة جواً إيجابياً على خط التواصل، لكن ذلك لا يعني قرب الحل (الحكومي)»، معتبراً أن هذه الإيجابية التي توّجت بلقاء الحريري وباسيل يجب أن لا تتوقف، بل تحتاج إلى تزخيم دائم.
وعلم أن برّي قدم للحريري نصائح معينة، من شأنها أن تفتح باباً للحل، لكن كل الأمور متوقفة على نتائج اللقاءات التي سوف يعقدها رئيس الحكومة في الأيام القليلة المقبلة، وبينها زيارة يقوم بها إلى القصر الجمهوري لوضع رئيس الجمهورية في أجواء الحراك الحكومي المستجد.
وبالتوازي مع «تحركّ مساعد» سيقوم به الرئيس برّي، لا تزال العقد الداخلية هي نفسها، ومن المقرر أن يعمل الحريري على حلّ العقدة المسيحية مع باسيل والقوات اللبنانية، على أن يسعى رئيس مجلس النواب للعب دور مع الفرقاء الآخرين، ولا سيما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط.
وكان الحريري قد أبلغ بري أنه لم يلمس وجود عقد خارجية، وشدّد على أن «أحداً لم يتدخل من الخارج في التشكيل، بل المشكلة داخلية وعلاقتها بالحصص»، وقال بوجوب «أن نتفق على الحصص وبعدها نختار الصيغة». وأعلن أنه سيزور رئيس الجمهورية «عندما تكون الأمور ناضجة». أما عن تحميله مسؤولية التأخير في التشكيل، فقال «إن أرادوا تحميلي المسؤولية فليحملوني، وإن رأى أحدهم أن تحريك الشارع هو الحل، فليكن».
وفي موازاة ذلك، تصاعدت وتيرة الاشتباك بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية؛ ففي موقف لافت للانتباه، أعلن النائب القواتي جورج عدوان أن إحدى المشاكل الكبرى في طريق تأليف الحكومة هي أن فريق التيار الوطني الحر، «يخلط بين حصته وحصة فخامة الرئيس، ويقول إن لديه 55% من التمثيل. وهذه الـ55% تشمل معه الرئيس، لأنه لم يرشح فقط نواب التيار الوطني الحر. نحن نعرف أنه كان هناك انتخابات قامت على أساس لوائح العهد، وكلنا نعرف أن هناك أشخاصاً استُقطبوا بالانتخابات على أساس أنهم مؤيدون للعهد، وخاضوا الانتخابات على لوائح التيار على أساس أن يكونوا نواب العهد، وبالتالي لا نستطيع أن نفصل هؤلاء النواب، وبالتالي حصة الـ55 % يجب أن تشمل حصة فخامة الرئيس. الارقام بالنسبة الينا في القوات مغايرة قليلاً، ويقولون إن القوات لديها فوق الـ30 %. وإذا كان لها 15 نائباً، فهذا يعني أن لها خمسة وزراء، وفق المعيار الذي وضعوه. وإذا أردنا تطبيق اتفاق معراب، يكون هناك ستة وزراء للتيار وحلفائه، وستة للقوات وحلفائها، وثلاثة لفخامة الرئيس».
وقد سارعت قناة «أو. تي. في.» الناطقة بلسان «التيار» إلى الرد، فاعتبرت «أن ما صدر على لسان عدوان كلام يجتزئ الحقيقة على قاعدة لا إله». ونقلت عن «مصادر التيار» أن تفاهم معراب «هو كل متكامل، يقوم على انتخاب الرئيس ودعم العهد من جهة، مقابل التزامات الشراكة المعروفة من جهة أخرى. غير أن القوات اللبنانية كانت المبادرة إلى التنصّل من التزاماتها، عندما استبدلت تعهدها بدعم العهد بتصويب سهام الاتهامات على وزراء العهد والتيار دون سواهم في الحكومة، والإيحاء بأنهم، دون سواهم، مصدر الفساد. وبلغ التنصّل حده الأقصى عندما أسهمت القوات بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمحاولة الانقلاب على العهد، عند احتجاز الحرية الجسدية والسياسية لرئيس الحكومة. وهكذا، وبدلاً من أن تكون جزءاً من معركة التضامن الوطني في وجه التدخل الخارجي وحماية القرار الداخلي، اختارت القوات اللبنانية أن تكون في المقلب الآخر».
وشددت «مصادر التيار» على أن الحصة الوزارية لرئيس الجمهورية، «ذات طابع ميثاقي، ولا ترتبط بأي كتلة نيابية، تماماً كما درجت الأعراف منذ الطائف».