IMLebanon

كيف تواطأ الأسد وداعش والروس على تنفيذ مذبحة السويداء؟

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية”: تشهد محافظة السويداء، المعقل الرئيسي لدروز سوريا، حالة استنفار قصوى منذ أن شن تنظيم الدولة الإسلامية هجمات متزامنة، في الـ25 من تموز الماضي، أسفرت عن مقتل أكثر من 260 شخصاً، في اعتداء هو الأكثر دموية تجاه الأقلية الدرزية منذ اندلاع النزاع عام 2011.

وتستمر الاشتباكات في باديتي السويداء الشرقية والشمالية الشرقية (جنوب سوريا) بين عناصر من تنظيم داعش من جهة، والقوات الحكومية والمسلحين الموالين لها والمسلحين القرويين من جهة أخرى. وخطف التنظيم لدى انسحابه إلى مواقعه في البادية السورية المتاخمة 14 سيدة مع 16 من أولادهن. وتوفيت امرأة مسنة من بين الرهائن الذين خطفهم التنظيم، الخميس، حسب ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان، كما أعدم رهينة من الذين احتجزهم في هجوم الأسبوع الماضي.

وتبدي العائلات خشيتها على مصير المخطوفين خصوصاً بعد تكثيف قوات النظام قصفها على مواقع التنظيم في البادية السورية. وتقود روسيا بالتنسيق مع النظام الذي تدعمه عسكريا، مفاوضات مع التنظيم المتطرف للإفراج عن المخطوفين مقابل إطلاق عناصر من التنظيم لدى النظام -بحسب المرصد- دون أن تحرز أي نتائج.

لكن متابعين شككوا في نوايا النظام وحليفته موسكو استنادا إلى جملة من الوقائع، حيث كشف كل من أدريان شاجكوفس وآن سبيكهارد في تقرير لهما على موقع ديلي بيست تواطؤ نظام بشار الأسد وداعش والروس على تنفيذ مذبحة السويداء. ونقل أدريان شاجكوفس وآن سبيكهارد في تقريرهما شهادات ميدانية تقدم أدلة على تورط النظام في هجوم 25 يوليو على الأقلية الدرزية.

حقيقة هجوم تموز

يروي تقرير ديلي بيست قصة هجوم 25 تموز حيث دخل عشرة من الجهاديين التابعين لتنظيم الدولة البلدة وكانوا يرتدون الزي التقليدي (البنطال الواسع والصدرية المفتوحة) لكنهم خبأوا تحته الأحزمة الانتحارية، وفجروا ثلاثة منها في السوق الرئيسية، وبعدها رافق أحدهم الجرحى إلى المستشفى وفتح فتيل الحزام، أما الستة الباقون فتمت السيطرة عليهم قبل تفجير أنفسهم، بحسب مسؤولين دروز.

وفي الوقت ذاته دخل المئات من مقاتلي التنظيم قرى قريبة من السويداء، وانتقلوا من بيت إلى آخر، وذبحوا عائلات البيوت فردا فردا، وتركوا شاهدا واحدا ليروي حقيقة الحادثة البشعة، التي خلفت في المحصلة مقتل 273 درزيا فيما جرح 220.

ويلوم ناشطون وأهالي سويداء النظامَ السوري، الذي نقل في ايار الماضي نحو 800 من مقاتلي تنظيم داعش من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بريف دمشق إلى منطقة الأشرفية والعورة التي تبعد أقل من 10 كيلومترات عن المدينة. وهذا ما أكده إلى حد ما معتقلو التنظيم الذين اعتقلتهم القوات الكردية في شمال سوريا، في مقابلتهم مع أدريان شاجكوفس وآن سبيكهارد للحديث عن تفاصيل المذبحة. كما أشاروا إلى أن المسؤولين الدروز أتوا إلى المناطق الشمالية للبحث في كيفية بناء تحالف يوفر لهم الحماية المشتركة.

ويلفت التقرير إلى أن “قصة المذبحة تم تداولها في الإعلام العالمي، لكن السياق الذي قاد إليها لا يزال غير واضح”.

ولا تزيد نسبة الدروز في سوريا على 3 بالمئة من تعداد السكان، أي حوالي مليون نسمة، وهم محاربون أشداء شاركوا في حروب الشرق، وينتشرون في سوريا ولبنان وشمال إسرائيل والأردن، ويطلق على المنطقة التي يتمركزون فيها في سوريا “جبل الدروز″، ويشاركون في جيوش لبنان وإسرائيل وحتى وقت قريب في الجيش السوري، ويقول المسؤولون الدروز إن لديهم ميليشيا خاصة يبلغ عدد عناصرها 53 ألف مقاتل.

وبدأت مذبحة السويداء في الساعات الأولى من الصباح، حيث تم قطع خطوط الهاتف والكهرباء بطريقة تثير الشكوك، لكن أخبارها انتشرت من خلال الهواتف النقالة، وتدفق المقاتلون الدروز للدفاع عن مدينتهم، وقال مسؤول إن المعركة الكبرى بدأت تحديدا في الساعة الثامنة صباحا.

وأشار سياسي درزي إلى أن حوالي 400 مقاتل من تنظيم الدولة شاركوا في الهجمات وواجهوا الآلاف من المقاتلين الدروز الذين نهضوا للدفاع عن القرى، حيث قتل في المعركة 250 من مقاتلي تنظيم الدولة، ويضيف “لم يكن هناك مقاتلون جرحى من داعش، وقتلنا الكثيرين منهم، وقتل آخرون مع استمرار المناوشات التي تحدث عندما يأتي مقاتلو التنظيم من الصحراء لمهاجمة الدروز، ولم يستطع التنظيم إخلاء مقاتليه من خلال عربات الدفع الرباعي، وليس لدينا أي اهتمام بدفنهم”.

ومن بين 10 مقاتلين من تنظيم الدولة أسروا تم إعدام ثلاثة منهم بشكل فوري، وتم القبض على واحد أثناء المناوشات وإعدامه، فيما تطالب السلطات السورية بتسليمها أيا من مقاتلي تنظيم الدولة الناجين، إلا أن الدروز رفضوا.

وأثار اختطاف تنظيم الدولة نساء وأطفالا مخاوف أهالي السويداء، ويبين مسؤول درزي بقوله “تم قتل معظم مهاجمي داعش..الذين هربوا هم من هاجموا القرى أولا وأخذوا معهم 29 امرأة وأطفالا صغارا”.

وقام التنظيم بإعدام شاب عمره 19 عاما، وبنشر صور النساء المخطوفات، وطالب النظام السوري بالتوقف عن مهاجمته، والإفراج عن السجناء من التنظيم مقابل إطلاق سراح الرهائن. وبالإضافة إلى صور الأسيرات اللاتي يمسكن بأيديهن فوق رؤوسهن في الصحراء، أرسلت قوات داعش مقطع فيديو لإحدى الأسيرات الدروز، البالغة من العمر 35 عاماً، وهي تضع مولودها في الصحراء. وقال أحد الحاضرين “تنظيم الدولة تحدث عن تحويلهن إلى سبايا إذا لم يسلم النظام له 100 سجين”.

ولا يستبعد أهالي السويداء أن تكون المذبحة مكيدة من مكائد النظام، إذ ليس من باب المصادفة أن يجتمع نظام الأسد وتنظيم داعش على مصلحة واحدة في المدينة خاصة وأن تقارير سابقة كشفت تعامله مع التنظيمات المتطرفة لقمع المعارضة منذ اندلاع النزاع. ويحشد النظام السوري قواته وحلفاءه لمهاجمة مواقع المعارضة تحت راية التصدي للتنظيمات المتطرفة، في حين يشعر قادة الدروز بأن مواطنيهم عوقبوا من قبل النظام لعدم موافقتهم على الانضمام إلى الجيش السوري في تلك العملية.

استهداف المعارضة

يتسق تقرير ديلي بيست مع تقرير سابق لمعهد “تشاتهام” الملكي (مركز بحوث بريطاني) الذي يقول إن النظام “يصور الحملة التي يقوم بها، بمساعدة القوات الروسية والإيرانية، على أنها تهدف إلى القضاء على داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، في حين أنه في الحقيقة يسعى فقط إلى استعادة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة”.

وأعرب عن اعتقاده بأن النظام السوري “اتخذ خطوات مدروسة بعدم التعرض لبعض جيوب تنظيم داعش، ضمن خطة تهدف إلى معاقبة السكان المعارضين للنظام”.

واعتبر أن الهجوم الذي وقع في مدينة السويداء يتحدث عن النظام السوري أكثر مما يتحدث عن داعش، ويعكس المدى الذي يمكن أن يذهب إليه هذا النظام في تحقيق أهدافه على حساب حياة مواطنيه.

واتهم وليد جنبلاط السياسي اللبناني الدرزي البارز والمنتقد الصريح للأسد، الحكومة السورية بالوقوف وراء الهجمات، وقال إن “الأسد يريد تجنيد الشبان الدروز بالقوة في منطقة جبل العرب بما في ذلك مدينة السويداء لشن هجوم على المسلحين في محافظة إدلب شمال سوريا”.

وكان العديد من قادة المجتمع والزعماء الدينيين الدروز قد رفضوا إجبار الشبان على التجنيد في الجيش خلال الصراع الذي دام سبعة أعوام في سوريا. وقال جنبلاط “يريدون التضحية بشباب جبل العرب في أتون إدلب”.

وقد أوضح أحد قادة الدروز أنه قبل المذبحة بأسبوع “جاء الضباط الروس إلى المنطقة لمقابلة الممثلين السياسيين فيها، وكانوا يحاولون خلق جيش خامس للمنطقة خاص بها، وتمت دعوة الشبان الدروز الذين فروا من الخدمة وقوات الاحتياط للانضمام إليه من جديد”.

يبدو بذلك أن قوات الدروز، التي يزعم أن عددها بلغ 53 ألف مقاتل، تمثل أهمية وقيمة كبيرة لجيش النظام. لكن مسؤولي الدروز رفضوا على ما يبدو هذ الاقتراح. يقول أحد المسؤولين “نحن لا نهاجم خارج منطقتنا. نحن ندافع فقط عن أنفسنا إذا لزم الأمر. لقد جاء الروس إلينا وكانوا يعتقدون أنهم سيشكلون الكتيبة الخامسة لحماية المنطقة من خلال ضم مقاتلينا إلى جبهات القتال ضد النصرة (الجهاديين المرتبطين بالقاعدة) في إدلب. لكن الممثل المحلي أجابهم بوضوح، أنهم لا يستطيعون الانضمام إلى أي جيش سوري ليقاتلوا خارج جبل الدروز، هم فقط يدافعون ولكن لا يهاجمون”.

ولدى نظام الأسد سجل في التواطؤ مع تنظيم الدولة، حيث سمح لمقاتليه بالهروب من المدن بالحافلات، في الآونة الأخيرة، للتقليل من خطر مقتل المدنيين، وقال مصدر من الدروز “من المعلوم أن مقاتلي تنظيم الدولة في نواحي دمشق نقلوا إلى السويداء بالحافلات الخضراء، وتم نقل 1400 من مقاتلي التنظيم إلى شرق السويداء وقرب قاعدة التنف الأميركية”، فيما هناك ألف مقاتل جاؤوا سرا من مخيم اليرموك الفلسطيني قرب دمشق للانضمام إلى تنظيم الدولة المحلي، الذي يقدر عدد مقاتليه بما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل. وأضاف المصدر أنهم اكتشفوا هذه المعلومات من خلال مصادر داخلية، ومن الجنود الدروز العاملين في الجيش، الذين يسربون الأخبار لهم، وعندما يتم الاتفاق على نقلهم يأخذ كل مقاتل سلاحه الخاص وثلاثة مخازن رصاص، حيث جاؤوا إلى المناطق مسلحين بعدما وفرت لهم الحكومة الممر الآمن.

وأثناء عمليات النقل هذه، يحق لمقاتلي داعش أن يحصلوا على بنادق كلاشنيكوف وثلاثة مخازن للذخيرة. ووفقًا للحكومة، تسلحت جميع العناصر بهذه الطريقة بعد أن أمّن لهم النظام السوري هذا الممر الآمن للانتقال إلى المنطقة.

وتحدث أحد المسؤولين الدروز قائلاً “يوم 24 تموز ، تم سحب معظم أفراد نقاط التفتيش الرسمية للجيش السوري حول السويداء وفي جميع أنحاء القرى التي وقعت فيها المجازر. في حين أن عناصر داعش جاؤوا في حوالي الساعة السابعة صباحاً”، وكشف أنه “في تلك الليلة سحب الجيش السوري الأسلحة المحلية من ميليشيات الحماية المحلية في القرى التي تواجه التنظيم المتطرف”. ويقول ” لا أحد يعرف السبب. لقد قاموا بسحب نقطة تفتيشهم في المنطقة. وظل النظام واقفاً يشاهد المجزرة من بعيد”.

وتابع بقوله “نعتقد أن هناك تواطؤاً بين داعش والنظام. وهذا واضح جداً بالنسبة لنا.. لقد رفض النظام إرسال سيارات الإسعاف لمساعدة السكان، وقطعوا الكهرباء وكذلك خدمة الهاتف الأرضي، لكنهم لم يتمكنوا من قطع خطوط الهاتف الخلوي”.سوريا

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن تواطؤ بين النظام وتنظيم الدولة، حيث قابل معدا التقرير للموقع 91 معتقلا من تنظيم الدولة، وتحدث هؤلاء عن بيع تنظيم الدولة الحبوب والنفط للنظام، مقابل الحصول على الكهرباء، بل إن النظام في دمشق أرسل خبراء لإصلاح المنشآت النفطية في دير الزور.

وأفرج الأسد في بداية الثورة عن معتقلي تنظيم القاعدة لتبرير الحرب ضد الثوار على أنها ضد الإرهاب، لافتا إلى أن واحدا ممن أفرج عنهم كان شخصا يدعى العبسي شارك في الهجوم على السويداء.

ورغم هزيمة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، إلا أن المقاتلين لا يزالون يتحركون في داخل سوريا، وتعترف قوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة بأن في المنطقة التي يسيطر عليها الأميركيون وحلفاؤهم، ما زال حوالي 1000 من مقاتلي داعش طليقي السراح. ولا يزال ما يقدر بنحو 9 آلاف من مقاتلي داعش يتجولون بحرية في سوريا والعراق. وفي كلتا المنطقتين يواصل هؤلاء شن الهجمات الإرهابية.

من نفذ الهجوم

إذن من أين جاء هؤلاء المقاتلون؟ ومن الذين نفذوا مذبحة السويداء؟ وفقا لمصادر الديلي بيست تم التعرف على 83 بطاقة هوية كان معظم أصحابها من الشيشان وفلسطين، من المخيمات السورية، وبعضهم من السعودية. وكان من بينهم مغاربة وتركمان، وواحد روسي وآخر ليبي، بالإضافة إلى بعض العراقيين. ويُفترض أن شقيق أبوبكر البغدادي، زعيم داعش، هو من قاد هجوم السويداء.

كان أفراد داعش الشيشانيون، الذين قُتلوا في المعركة، يرتدون جميعاً الأحزمة الناسفة. وأولئك الذين هاجموا وسط السويداء كانوا يرتدون ايضا الأحزمة، والقناصة استخدموا بنادق قوية لإطلاق النار من أسطح المنازل البعيدة. وقال أحد المسؤولين الدروز “هذا هو المكان الذي جاءت منه معظم خسائرنا. يبدو أن تنظيم داعش ما زال على قيد الحياة ويتمتع بوضع جيد على الرغم من التقارير الدولية التي تفيد بأنه قد هزم بشكل كامل”.

وأعرب أحد المسؤولين الدروز عن قلقه من تكرار الهجوم إذ يقول “إذا قاموا باختطاف واحد، فإنهم سيختطفون المزيد، فلا تزال هناك حوالي 114 قرية وبلدة صغيرة حول السويداء يعيش بها نصف مليون درزي”.

ويناشد قادة جبال الدروز المجتمع الدولي أن يتدخل لحمايتهم عن طريق إرسال قوات حماية دولية، مثلما يحدث مع الأكراد المحميين من قبل القوات الأميركية، ومساعدتهم على إعادة المخطوفين إلى عائلاتهم.

وقال أحد السياسيين الدروز “من أجل حماية هذه الأقلية ولحماية تنوع الطوائف مستقبلا في سوريا، نحتاج إلى خلق حاجزٍ في وجه المعتدين، من الشمال إلى الجنوب، بما في ذلك أجزاء من العراق، وسيتصدى الأكراد واليزيديون والمسيحيون والدروز لهؤلاء المقاتلين”.