كتب حسين عبدالحسين في صحيفة “الراي” الكويتية:
وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف هو واحد من المسؤولين القلائل حول العالم ممن يفهمون المشهد السياسي الأميركي المعقد، وممن يعرفون كيف تتم صناعة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. حنكة ظريف هذه بدت آثارها واضحة في الهدوء الإيراني غير المسبوق في الاقليم، وتفادي طهران الاستفزازات بوقفها تجاربها الصاروخية، وإنهاء تحرشها بالسفن الأميركية وبحارتها في الخليج.
وظريف يعلم أن واشنطن تبحث عن عُذر – على شكل تحرش ما في الخليج – لتبرير شنها ضربة جوية قاسية تؤدي إلى تدمير البنية التحتية للقوات الأمنية للنظام الإيراني، وربما تدمير المنشآت الحيوية مثل محطات إنتاج الكهرباء، وقطاع النفط، والجسور. لذا، يبدو أن إيران استكانت.
على أن حنكة ظريف، التي نجحت حتى الآن في تفادي مواجهة إيرانية – أميركية عسكرية، لا تكفي لإبعاد شبح الانهيار الاقتصادي الذي يطارد الجمهورية الإسلامية ، وربما يتهدد بقاء النظام الايراني برمته.
وعلى غرار الدول المعادية للولايات المتحدة حول العالم، يبدو أن إيران تعتقد أنه يمكنها استيعاب العقوبات الاقتصادية الأميركية باعتمادها على القوى الاقتصادية البديلة، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والصين، وإلى حد ما تركيا وبعض دول جوار إيران في الاقليم.
ويوم أرادت الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية على إيران لاجبارها على وقف برنامجها النووي، مع نهاية ولاية الرئيس الأسبق جورج بوش الابن وبداية ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، كانت أسعار النفط العالمية تسجل أرقاماً قياسية، وكانت عائدات الدول النفطية – وفي طليعتها إيران وروسيا – تكفي لمواجهة أي عقوبات أميركية أحادية، خصوصاً في ظل أزمة اقتصادية كانت تعيشها واشنطن وتضطرها إلى خفض الفائدة وزيادة تبادلاتها التجارية حول العالم.
لكن الصورة الاقتصادية العالمية انقلبت بين 2008 واليوم. إيران وروسيا تعانيان من انخفاض أسعار النفط وعجز في موازنتيهما وانهيار في قيمة عملتيهما الوطنيتين، والاتحاد الأوروبي يعاني من نسب نمو اقتصادي منخفضة. أما الصين، فهي بدورها تعاني من تراجع في النمو، فضلاً عن اهتزاز في عملتها الوطنية بسبب هرب رؤوس الاموال. ومثل الصين، تعاني تركيا من تراجع في قيمة عملتها وتضخم في الاقتصاد.
وعلى عادة الدورات الاقتصادية العالمية، يعيش الاقتصادي الأميركي فترة من البحبوحة والنمو، ما يزيد في أزمة اقتصادات عدد كبير من الدول حول العالم، فرؤوس الأموال تغادر أميركا أثناء الأزمات التي تضطر «الاحتياطي الفيديرالي» إلى خفض الفائدة. وتبحث رؤوس الأموال هذه عن الربح في دول العالم مثل تركيا. أما عندما يعود الاقتصاد الأميركي الى عافيته، يعود «الاحتياطي الفيديرالي» إلى رفع الفائدة للجم التضخم، فتبدأ رؤوس الأموال بمغادرة تركيا والصين وغيرها والاتجاه إلى الولايات المتحدة، فتنعش أميركا وتعاني بعض الحكومات حول العالم.
قوة الاقتصاد الأميركي اليوم تسمح لواشنطن بالتصرف بشكل أحادي، وهي السياسة التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد إيران، وهو ما أدى إلى زعزعة الاقتصاد الإيراني مع دخول الدفعة الأولى من العقوبات حيز التنفيذ الثلاثاء الماضي، في انتظار الدفعة الثانية المقررة في نوفمبر المقبل.
الشركات الأوروبية الكبيرة، مثل «توتال» الفرنسية و«دايملر» الألمانية، أعلنت انسحابها من السوق الإيرانية، فيما لا مقدرة للشركات البديلة، الأوروبية أو الروسية أو الصينية، على ملء الفراغ الذي ستتركه هذه الشركات في السوق الايرانية.
وحدها الصين أعلنت أنها لن تكترث للعقوبات الاميركية على إيران، وانها ستستمر في استيراد النفط من طهران. لكنها تصريحات قد لا تلتزمها بكين. وتشير مصادر اميركية الى الإفلاس الذي أصاب شركة الاتصالات الصينية العملاقة «زي تي اي» بسبب عقوبات كان فرضها الكونغرس، بداعي شؤون تتعلق بالأمن القومي.
وتقول المصادر الأميركية إن الصين لا مناعة لديها أمام حجب الدولار الاميركي عنها، وإن شركاتها ستعاني في حال انخراطها في مواجهة مع العقوبات الاميركية. وتضيف: «يمكن لهذه الشركات الحفاظ على السوق الصينية وبعض الأسواق غير الاميركية، لكن هذا يعني سوقاً أصغر بكثير من السوق العالمية التي تعتبر الدولار نقدها المتداول عبر الحدود».
المصادر الأميركية تُعرب عن ثقتها بأن العقوبات الأحادية على ايران ستأتي ثمارها، وتشير الى أن التظاهرات التي تحولت إلى مشهد متواصل في إيران تؤكد فاعلية الاجراءات الاميركية لـ«إجبار طهران على تغيير تصرفاتها».
وتختم المصادر بالقول: «إننا ربما نشهد تكراراً لسنة 1977 أو 1978، وهي التظاهرات التي أدت كثافتها الى انهيار حكومة الشاه محمد رضا بهلوي في سنة 1979». فهل يتكرر في إيران سنة 2019 ما حدث قبل أربعين سنة، أي في 1979؟.