كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
يستمرّ الكرّ والفرّ بين القوى المعنيّة بتأليف الحكومة، على وقع عروض ومناورات متبادلة في الغرف المغلقة وخارجها، في انتظار أن تختمر التوليفة الدقيقة التي تجمع الواقعية الداخلية مع التسهيل الخارجي، فيقتنع حينها كلّ طرف بما يستحقّه، بعيداً من السقوف المرتفعة والطموحات المبالغ فيها. ويمكن القول انّ حراك الأيام الماضية ضخّ في عروق المفاوضات أفكاراً عملية لمعالجة بعض العقد المستعصية وتدوير الزوايا الحادة، لكنّ تلك الأفكار لا تزال بحاجة الى المزيد من الجهد والتفعيل، قبل أن يكتسي عظمها «اللحم السياسي».
يبدو انّ الجهات التي كانت تتمترس وراء شروطها المتشددة باتت مستعدة لإبداء قدر من المرونة والتراجع قليلاً الى الوراء، إنّما من دون أن يكون ذلك كافياً حتى الآن لالتقاء الجميع في منتصف الطريق… والحكومة.
ولئن كانت «القوات» لا تزال تتمسّك حتى الآن بالحصول على حقيبة سيادية، إلّا أنّ العارفين بخفايا حساباتها يلفتون الى انّها قد تتخلى عنها في مقابل منحها حقيبة دسمة، الى جانب الحقائب الأخرى التي ستنالها من ضمن حصّتها «الرباعية الدفع».
وفي انتظار اتّضاح الصورة أكثر في الأيام المقبلة، ماذا جرى في مشاورات الساعات الماضية التي شملت عين التينة وبيت الوسط و«التيّار الحر» و»القوات اللبنانية»؟
كواليس عين التينة
بات واضحاً انّ الرئيس نبيه برّي انتقل من موقع «المراقب» الذي يحصي أخطاء الآخرين الى موقع «الشريك» في التفتيش عن الحلول، لا سيّما بعدما طلب الرئيس المكلف سعد الحريري مساعدته، وهو الذي يعلم أكثر من غيره انّ رئيس المجلس متخصّص في استخراج «الارانب السياسية» من الثقوب الضيقة.
بعد زيارة طلب «النجدة» التي قام بها الحريري الى عين التينة، حطّ موفد رئيس «القوات» وزير الإعلام ملحم رياشي ضيفاً على برّي الذي أبلغ اليه انّه عازم على بذل كل جهد ممكن لمساعدة الحريري في حلّ العقد القائمة، فيما وضعه الرياشي في صورة الوقائع التي تملكها معراب، مؤكداً ان «القوات» لم تكن ولن تكون عقبة أمام تشكيل الحكومة، بل هي مصممة على تسهيل مهمة الرئيس المكلف.
وعرض برّي مع ضيفه أفكاراً للحلّ، طالباً منه ان ينقلها الى جعجع، في وقت أكد مصدر قواتي بارز انّ الأفكار المقترحة من قبل رئيس المجلس هي منطقية وقابلة للبحث.
وعندما أثيرت خلال الاجتماع مسألة منح «القوات» حقيبة سيادية، قال بري لموفد جعجع: أنا و«حزب الله» لا دخل لنا بالحقيبتين السياديتين العائدتين الى المسيحيين، ونحن لسنا معنيين بهما. وأضاف برّي مخاطباً ضيفه: إذا قرّرتم ان تتخلوا عن «السيادية» لتسهيل مهمة الحريري في مقابل ان تتضمّن حصّتكم حقائب وازنة، فهذا شأنكم، لكنّ المهم ألا يلصق أحد بنا قصة رفض منحكم «السيادية»..
وهنا، لفت موفد جعجع الى انّ من يتوجب عليه بالدرجة الأولى ان يسهّل مهمة الحريري هو من يعقّدها في الواقع، ناقلاً الى برّي الموقف المستجدّ والمرن الذي أبلغه أخيراً سمير جعجع الى الرئيس المكلّف ومفاده انّ «القوات» مستعدة للقبول بحصة من 4 وزراء إذا كان ذلك يسهّل مسعاه لتشكيل الحكومة..
وإذا كانت «القوات» لم تعد تلحّ على نيل منصب نائب رئيس الحكومة، فإنّ ما تجدر الاشارة اليه هو انّ هذا الامر طُرح خلال زيارة النائب ستريدا جعجع الى عين التينة قبل فترة. يومها، استغرب برّي إصرار «القوات» على مطلبها، قائلاً لستريدا: شو بدكن بهالشغلة، موقع نائب رئيس الحكومة هو شكليّ وشرفيّ فقط، فلماذا تصرّون عليه؟
الحريري – «القوات»
أمّا على خطّ «القوات» – بيت الوسط، فقد استمرّ الأخذ والردّ بحثاً عن مخارج توفّق بين طروحات معراب و«التيار»، فما هي تفاصيل المداولات التي أجراها الحريري مع «القوات» خلال الساعات الماضية؟
تفيد المعلومات انّ الحريري أكّد لجعجع تمسّكه بمبدأ ثابت ونهائي وهو أنّه لن يشكل حكومة ضده أو ضد أي فريق آخر، فيما شددت «القوات» على ضرورة ان ينطلق نقاش التأليف من المسلمات الآتية:
– توزيع الحقائب الوزارية مناط حصراً بالرئيس المكلف، دون سواه.
– توزيع الحقائب يجب ان يتمّ وفق معيار واحد ينطبق على الجميع بدقة، ومن غير تشاطر، بحيث لا تُحسب حصة أحد مرتين.
– لا يحق لأحد وضع فيتو على ايّ جهة أخرى، ومن لديه فيتو فليعلن عنه جهاراً بدل ان يتستر خلف طرف آخر.
وعُلم في هذا الاطار انّ الحريري طرح مع وزير الاعلام خلال اجتماعه الاخير به احتمال ان يكون لدى «حزب الله» فيتو على منح «القوات» حقيبة سيادية، فأجابه: أعتقد انه لو كان للحزب موقف من هذا القبيل، لبادر الى الاعلان عنه مباشرة، وهو لا يحتاج الى الاختباء وراء جبران باسيل او غيره ليوصل رسائله..
وتوجّه الموفد القواتي الى الحريري بالقول: نحن لا نستطيع ان نتخلى دفعة واحدة عن الحقيبة السيادية ومنصب نائب رئيس الحكومة، إذ ان هذا التنازل يفوق قدرتنا على التحمل.
فرد الحريري: سأنقل هذا الكلام الى جبران(باسيل)، «بركي بتحلوها مع بعض».
ووضع الرئيس المكلف الموفد القواتي في جوّ لقائه قبل ايام مع باسيل، ناقلاً عن رئيس «التيار الحر» رفضه منح الهدايا الوزارية لأيّ طرف.
وعُلم ان «القوات» أبدت تحسساً شديداً حيال فكرة «الهدايا»، ورفضت الخوض في ايّ بحث على قاعدة مثل هذا الطرح، مشددة على انّ الحقائب الوزارية ليست ملكاً لأحد كي يهديها أو يحتفظ بها، وهي بالتأكيد ليست ملكاً لجبران باسيل حتى يقرّر أن يهبَ إحداها لنا أو يحجبها عنّا.
وقد ذهب الموفد القواتي أثناء لقائه مع الحريري الى حدّ إبلاغه بأنّه إذا كان سيتمّ التعاطي مع الحقائب في اعتبارها ملكية خاصة لـ«التيار» أو لغيره، فانّ «القوات» لا تريدها من الاساس. وتوسّع الموفد في شرح مفهوم «القوات» للسلطة في الحياة البرلمانية ونظرتها الى الحقائب الوزارية، مشدداً على ان الرئيس المكلف هو المعني بتوزيعها وفق نتائج الانتخابات النيابية والاوزان السياسية.
وغامزاً من قناة باسيل، قال موفد جعجع للحريري: دولة الرئيس.. «القوات» تملك حساً وطنياً، وليس أمعاء سياسية منتفخة..
وفيما تعمدت أوساط مقربة من باسيل ان تترك ظلالاً من الغموض على ما تردد حول موافقة باسيل على ان تضمّ حصّة رئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي 10 وزراء بدل 11، عُلم ان وزير الإعلام تبلّغ من الحريري قبول باسيل بالتخلي عن الثلث المعطل وبالحصول على 10 وزراء، فما كان من الوزير ان قال للرئيس المكلف ممازحاً: «ما فيك تنزلّو لجبران عالتسعة»؟
ولكن الحريري أشار الى انّه يجب تفهم ظروف باسيل الذي يتوجب عليه ان يرضي في التوزير عدداً من حلفائه المنخرطين معه في تكتل لبنان القوي، الى جانب تمثيل «التيار».
وتشدّد المصادر القواتية على وجوب ان تكون حصة الرئيس ميشال عون منفصلة ومستقلة عن حصة «التيار الوطني الحر»، بحيث لا تتداخلان وتختلطان كما حصل في الحكومة الحالية، لافتة الى انّه من غير الجائز ان يشارك وزراء الرئيس في اجتماعات «التيار» برئاسة باسيل، لانّ من شأن ذلك ان يلغي المسافة الضرورية بين الاثنين وان ينعكس سلباً على دور عون.
حسابات «التيار»
أمّا «التيار الحر»، فيشعر بانّ اجتماع رئيسه مع باسيل أعاد تصويب مسار الأمور، ونقل الكرة من الملعب البرتقالي الى ساحات الآخرين.
وتؤكد مصادر باسيل انّ علاقته بالحريري لا تزال نضرة ومتينة خلافاً لما تتداوله بعض الاوساط السياسية ووسائل الاعلام، لافتة الى انّ رئيس «التيار» جدد التأكيد للحريري انّه مقتنع بانّ حصة «القوات» الموضوعية هي 3 وزراء، «ولا مانع لدينا في ان ترتفع الى 4 إذا كنت مستعداً ان تعطيهم حقيبة من حصتك وليس من كيسنا.»
وتشير المصادر الى انّ ما يطرحه «التيار» واقعي، فهو يريد ان يتمثل بـ 6 وزراء قياساً على حجم تكتله النيابي، ويعتبر انّ من حقّ رئيس الجمهورية ان يحتفظ بكتلة من 5 وزراء امتداداً لمعادلة الحكومة الحالية، «مع الأخذ في عين الاعتبار انّ الموافقة على تخفيض السقف الى 10 وزراء للجانبين قد تكون واردة من ضمن حلّ متكامل، على قاعدة انّها جزء من كلّ.»
وبالنسبة الى الحقيبة السيادية، يصرّ «التيار» على نيل واحدة كونه التكتل المسيحي الاكبر، كما يشدّد على وجوب إدراج «سيادية» أخرى ضمن حصة رئيس الجمهورية انسجاماً مع العرف المعمول له، «امّا إذا قرر برّي او الحريري التنازل عن واحدة لـ«القوات» فسنكون مسرورين».