كتب وسام سعادة في “المستقبل”:
من الحراك الشعبي لفلسطينيّي أراضي الـ 48 ضد قانون الدولة القومية اليهودية، وارتفاع الاعلام الفلسطينية في قلب تل أبيب ذاتها، الى كلمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على خلفية تدهور سعر صرف الليرة التركية من بعد الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الاميركي دونالد ترامب على الالمنيوم والصلب التركيين، والسقف العالي لكلام اردوغان ضد ترامب، الى المتواتر عن قنوات لا تلبث ان تفتح حتى تنسد بين واشنطن وإيران، الى ملف المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين الى سوريا: كل هذه الاحداث والمؤشرات ترتبط بديناميات من شأنها ان تتلاقى مع بعضها البعض عشية الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة. ينتظر ان تكون هذه الدورة تحديداً ساحة مبارزة بامتياز على خلفية قضايا الشرق الاوسط، وبالأخص ساحة منازلة في ما يتصل بسياسات دونالد ترامب حيال بلدان المنطقة، وبخاصة سياسته المتطرفة في دعمها لاسرائيل، ما تجسّد بقراره نقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس.
بشكل أساسي، سيحتل خرق ترامب القانون الدولي، وقرارات مجلس الامن، الرافضة بشكل واضح لنقل السفارة، كما التشدد الرسمي لأقصى اليمين الحاكم منذ سنوات في اسرائيل، وصولاً الى ابتغائه الجمع بين تكريس قومية ويهودية الدولة، وبين الحؤول دون قيام اي دولة يهودية من اي نوع في نفس الوقت. بقطع النظرة عن النتائج العملية المباشرة للمواجهة العاصفة تحت قبة الامم المتحدة، فإن هذه التظاهرة الاممية الدورية المرتقبة التي من المنتظر ان يطرح فيها تعليق عضوية اسرائيل في الامم المتحدة، ومن المنتظر ايضاً ان يتطرف الاميركيون أكثر فأكثر في الدفاع عن حكومة بنيامين نتنياهو، وان تبرز بشكل او بآخر حدة عالية حيال ملفات بلدان الشرق الاوسط، ولو ان الخلاف الاميركي ـ الروسي المتصل بسوريا ظهر “تحت السيطرة” الى حد ما، في اعقاب القمة الاخيرة بين الرئيسين الاميركي والروسي، دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.
باختصار، كل بلدان المنطقة تتحضر لهذه الدورة على انها بالنسبة الى اقليمنا دورة غير عادية. الاتراك في مواصلة للسقف الذي رفعه اردوغان من طرابزون، والذي اتهم فيه ترامب بالاساءة إلى عقود طويلة من الشراكة مع تركيا، كرمى لعيون “حزب العمال الكردستاني”. الايرانيون، الذين يريدون في الوقت نفسه، التشديد على ان نفوذهم الاقليمي حافظ على نفسه من عام الى آخر، ويهمهم فتح حوار متقطع مع الاميركيين، بما لا يتعارض مع القنوات “الغامضة” للتواصل الايراني ـ الاميركي في الوقت الحالي، وإغراءات النموذج الكوري الشمالي في التطبيع الجزئي والمتدرج مع واشنطن.
وسط كل هذا الانهماك في اعداد الملفات، في السهر على التفاصيل، وكل الترجيحات للتسخين والتبريد، يبدو لبنان في مطرح آخر. مع ان الدورة العتيدة للجمعية العامة، هي واحدة من استحقاقات ومستلزمات عديدة، للاسراع بالتشكيل الحكومي، تنضم الى غيرها من دواعٍ اقتصادية ومالية وسياسية وأمنية، ناهيك عن ضرورة احترام الايقاع المؤسساتي والتقيد بصريح الدستور. الا انه، اذا استمرت الامور على حالها، سنكون بعد اسابيع قليلة امام جمعية عامة أشبه بورشة شاملة في ما يتصل بمنطقة الشرق الاوسط، من دون ان يكون بوسع لبنان المشاركة بشكل حيوي وممأسس داخلها، ان هو لم يتمكن من توليد حكومة له في أقرب وقت. ليس من مصلحة مجموع اللبنانيين في هكذا لحظة دقيقة وغدارة جداً على مستوى الاقليم، الظهور بمظهر “المعلّق” (الستاند باي). خاصة في ظل ترابط الاطار الرسمي البحت للدورة، مع اخبار متضاربة حول اعادة تأهيل قناة التواصل الاميركية ـ الايرانية، ومع كون موضوع عودة اللاجئين السوريين اساسياً ايضاً في الجمعية العامة وفي كواليسها.