كتب مالك مولوي في صحيفة “اللواء”:
بدأت حملة المطالبة بقانون انتخابات نيابية يعتمد النظام النسبي بدلاً من النظام الأكثري المعمول به في لبنان منذ عهد الانتداب، بعد انتخابات 1992 وكثير من أخطاء هذه الانتخابات لا يزال جارياً حتّى اليوم لأننا نفتقر في الواقع إلى موقف جريء يعري تلك المجموعة المتنوعة من الأخطاء والمغالطات والالتباسات، بالإضافة إلى ما يتصل بها من فنون التضليل الإعلامي التي ورثناها وتداولناها في جميع الاستحقاقات النيابية السابقة.
ويعود هذا الخطأ إلى القدماء الذين وجدوا في الانتخابات مادة للتشبيح وليس للحكم النزيه الذي ينتج عن انتخابات نزيهة. وقد استمر هذا الخطأ تداولياً من جيل سياسي إلى جيل آخر، وصولاً إلى الأخطاء الحالية، مثل نظرية الحاصل الانتخابي والصوت التفضيلي !
إن توصيف العمليّة الانتخابية بكل قوانينها وإجراءاتها ووقائعها قبل موعد الاستحقاق وبعده أيضاً، يجب أن لا يأتي على قياس القيادات والزعامات والطوائف ، بل يجب أن يلبي حاجة الناخب اللبناني إلى الحرية والحيادية.
وبمجرد التنظير للعملية الانتخابية، سواء في تقسيم المناطق وتوزيع اللوائح، أو في وجود الحاصل الانتخابي والصوت التفضيلي، فإن سمة ثالثة تسقط على إرادة الناخب، تعكس إرادة السلطات في توجيه إرادة الناخبين، لا إلى طهارة الانتخابات بل إلى تمييعها.
رغم كل ذلك، قررنا نحن، “حزب سبعة ” ، بالتحالف مع قوى مدنية مستقلة خوض الانتخابات النيابية لأول مرة، لكسر هالة الأحزاب التقليدية ومحاولة احداث خرق – ولو متواضع – في المنظومة السياسية الحالية وذلك ضمن برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي شامل في ظل غياب البرامج والأفكار السياسية عن معظم المرشحين والنواب الحاليين والسابقين .
لم تكن العلّة في النظام الاكثري المعتمد بقدر ما كانت في الممارسات، سواء من جانب السلطة المشرفة على الانتخابات وتدخّلِها السافر لمصلحة مرشّحيها، أو من الطبقة السياسية الفاسدة والمفسدة، أو بسبب الذهنية السائدة عند عامة الشعب والتي تتحكّم فيها العصبية الطائفية والعشائرية .
انتظرنا الكثير . اعتصمنا وتظاهرنا وهتفنا ضد اغتصاب السلطة التشريعية. ثم طلع علينا مجلس النواب الكريم بقانون انتخابات يعتمد النظام النسبي، استغرَق إعداده تسعَ سنوات واستلزَم تمديد المجلس الحالي لنفسِه ثلاث مرّات.
وقد اعتبرَت حكومة ” العهد” الحالية أن إقرار هذا القانون من إنجازاتها الباهرة التي سيُسجّلها لها التاريخ. لكن، عندما نتفحّص هذا القانون بتمعّن وبصورة علمية وعملية، تظهَر لنا المساوئ التي ينطوي عليها.
ولقد حاوَل بعض الخبراء الذين أعدّوه أو تولّوا التنظير له أن يوهِموا الناس، بالتواطؤ مع الطبقة السياسية، بأنّ هذا القانون يحقّق عدالة التمثيل على أفضل وجه ويَفتح الباب واسعاً امام القوى المدنية والتغييرية لخوض المعركة الانتخابية ويوفّر لهم فرَص النجاح. في حين أنّ القانون الجديد ظاهرُه قانون نسبيّ يَهدف الى تحقيق التمثيل العادل، وحقيقتُه قانون رديء يحاكي قوانين النظام الاكثري السابقة.
لن نتوقف عند مسألة المساواة بين المرشّحين في المنافسة الانتخابية في الإعلام والإعلان الانتخابيين، وهو أمر لن تتمكّن هيئة الاشراف على الانتخابات من ضبطه بدقّة مهما كانت احترافية ومهنية لأنه من الامور التي يصعب الاحاطة بها من كافة جوانبها. فضلاً عن عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين “الوزراء” وعددهم 17 مرشحا بمن فيهم رئيس الحكومة ووزير الداخلية، ومنافسيهم واستغلال هؤلاء لمنصبهم الوزاري لأغراض انتخابية.
كما لن ندخلَ في موضوع سقف الإنفاق المرتفع جداً الذي سيخلّ بمبدأي المساواة والتنافس الانتخابي المتوازن بين اللوائح التابعة للأحزاب المعروفة أو للمتموّلين من جهة، واللوائح التي الفناها، نحن الناشطون في الحراك المدني والشعبي، من جهة أخرى.
إنّ القانون الجديد – باعتماده نظامَ اللائحة المقفلة ومنعِ الناخبَ من إدخال أيّ تعديل عليها – لا يكون قد منعَه من حرّية الاختيار والمفاضلة بين المرشحين فحسب بل يكون قد منعه أيضاً من محاسبة النواب الذين انتهت ولايتهم، إذ كيف له أن يحاسب – النائب المرشح – عن أدائه خلال ولاية المجلس المنتهية إن لم يكن باستطاعته أن يشطبَ اسمَه من اللائحة التي يريد الاقتراع لها؟
أليس جوهر الانتخابات الدورية في الأنظمة الديموقراطية هو محاسبة ممثّلي الشعب عن أدائهم، وذلك من خلال عدم إعادة انتخابهم؟ لقد قضى القانون الجديد، عملياً، على مبدأ المحاسبة.
إنّ القانون الجديد لا يفرض أن تحمل اللائحة اسمَ حزب سياسي معيّن، بل أن يكون لها اسم ولون فقط. لذا لم يكن للوائح التقليديين أي هوية حزبية محددة وإنما ضمت خليطا من الاحزاب والقيادات السياسية وشخصيات لا تجمع بينها مبادئ سياسية مشتركة بل مجرّد تحالف مصلحي بامتياز، وكلّ منها يسعى، من خلال هذا التحالف، الى الفوز بما يُمكن من المقاعد النيابية.
ولقد أعلنت بعض الأحزاب التقليدية في لبنان أنّ التحالفات ستكون “على القطعة” ، بمعنى أنّ الأحزاب ذاتها التي ستتحالف في هذه الدائرة الانتخابية ستتواجه في دائرة أو دوائر أخرى. وعليه، فقد وجد الناخب نفسَه أمام لوائح جاهزة معلبة ومفبركة في الغرف التقليدية المظلمة بطريقة عشوائية لأهداف محضِ انتخابية.
وفي الخلاصة، ورغم خسارة تحالف سبعة مع القوى المدنية الاخرى، الى اننا لو طبقنا قانون النسبية مع الدائرة الواحدة لكنا حصدنا كتلة نيابية وازنة بالأصوات التي نلناها في التسعة دوائر. (حولي 40000). فما حصل عليه أكبر حزب تقليدي في لبنان لا يتجاوز 120000 وحصل على أكثر من عشرون نائباً .
لن يقوم لبنان الذي نحلم به الا مع نظام نسبي يعتمد الدائرة الواحدة وذلك للقضاء على الطائفية والمذهبية قبل أي شيء آخر. وعلينا من اليوم الضغط على المجلس النيابي لتعديل هذا القانون وإلغاء ما سمي بالصوت التفضيلي.