من عقدة الحصص كمّا ونوعا التي تغرق فيها حكومة “العهد الأولى” من دون أن تظهر على شاشة الرادار الحكومية أي مبادرة من الأطراف المعنية بفكها، إلى العقدة القديمة – الجديدة بالدعوة إلى إعادة التواصل والتنسيق مع الحكومة السورية من بوّابة ترتيب عودة النازحين السوريين وفتح المعابر السورية أمام الشاحنات اللبنانية، تتخبّط الحكومة الثالثة للرئيس المكلّف سعد الحريري، على رغم الحراك الداخلي الموزّع بين أكثر من مقر رسمي وحزبي.
وفيما كان المعنيون بالتشكيل يعوّلون على نتائج اللقاءات والمشاورت التي يتولاها الرئيس الحريري مع من يُنسب إليهم صفة “العقدة” الحكومية، أتت المواقف المتناقضة لكل من الرئيس الحريري منذ يومين بأن “إذا استمروا بالضغط لإعادة التواصل مع سوريا فالحكومة لن تتشكل”، ومسارعة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بدعوته إلى “عدم اتّخاذ مواقف متسرعة قد تضطره إلى التراجع عنها لاحقا”، لتزيد من طين التعقيدات بلّة، وتُنذر بعودة الصراع السياسي الذي كان سائدا قبل التسوية الرئاسية.
وفي حين لا تُخفي مصادر “حزب الله” امتعاضها من موقف الرئيس الحريري، أكدت عبر “المركزية” بأن الرئيس المكلّف “سكّرها” برفضه التواصل مع الحكومة السورية، ما يعني أن “لا تشكيل قريبا”، وسألت: “ما الداعي ليقول الحريري ما قاله؟”، لافتةً إلى أن “الوقت ليس مناسبا لما اعتبرته “دغدغة” لجمهور “تيار المستقبل” من خلال رفض التواصل مع النظام السوري”.
وإذ تشير إلى أن “حزب الله” “الوحيد الصادق مع الرئيس الحريري في وقت حلفاؤه عكس ذلك”، تشدد مصادر الحزب على “ضرورة التعامل مع المتغيرات في المنطقة، خصوصا أن الروسي بات يلعب دورا أساسيا في هذا المجال، وألا نتّخذ مواقف تضرّ بمصلحة لبنان”.
وتوجّهت المصادر الى الرئيس الحريري بالقول “البلد كله يُعاني من عبء كبير اسمه النزوح السوري، واقتصادنا يرزح تحت آثاره السلبية، فأين مصلحة لبنان في ما قاله؟ هل تجوز المكابرة على حساب مصلحة البلد؟ كُن ولو لمرّة “متصالحاً مع نفسك” ولا تتشبّث برأيك. هناك الكثير من النقاط المشتركة بيننا تبدأ بحبنا للوطن ولا تنتهي بالتعاون على تسيير عمل مجلس النواب والحكومة، علماً ان خطوط التواصل بيننا مفتوحة، فأين هي المشكلة اذاً؟ لمَ لا تصم اذنيك عن “إملاءات” الخارج وتستمع فقط للمصلحة اللبنانية”؟
ومع ان مصادر الحزب لا تخفي “ترابطها الاستراتيجي مع ايران”، الا انها تجزم “بأنها ليست مقيّدة ومُسيّرة، وانما تملك رؤية خاصة تجاه الامور وتتم استشارتنا في قضايا عدة تخص لبنان، لأننا لبنانيون اولاً”.
وعن الخطوات التي سيتّخذها “حزب الله” لمواجهة ما تعتبره المصادر “معاناة” مع مواقف وتصرّفات الرئيس الحريري تجاه تشكيل الحكومة، تجيب المصادر “ماذا يُمكن ان نفعل؟ لو ان الدستور حدد مهلة زمنية للتشكيل لكان الوضع مغايرا لما نعيشه الآن”.
وفي ما يُشبه “تسليماً” مبطّناً بألا بديل من الرئيس الحريري في تشكيل الحكومة، قالت المصادر “لو كانت هناك احتمالات لعدد من المرشحين غيره لكنّا تصرّفنا على نحو آخر. وحتى الرئيس الحريري لكان تصرّف على عكس ما يفعل الآن، حيث يُساير “الدلع” ولا يمارس أي ضغط على من يحاولون “نفخ” أحجامهم حكومياً”.
وتأسف “لألا وجود “لحاكمية” في الدستور ملائمة لهذا الوضع الذي بات يتكرر، كما لا يوجد في الدستور ما يجعلنا بمنأى عن التدخلات الخارجية”، وتشدد على ضرورة أن “تنعكس النسبية التي أقررناها في صلب قانون الانتخاب، على تشكيل الحكومة العتيدة ونقطة على السطر، والالتزام بمعيار واحد للتمثيل”.
وكما أن الدستور برأي المصادر “يُقفل” الباب امام “تقييد” الرئيس المكلّف بمهلة زمنية، فالشارع أيضاً يمنع اي محاولة للضغط في اتّجاه تسريع التشكيل، لأنه برأي المصادر “لعبة خطيرة لا يجوز اللعب بها، بخاصة الآن”.
وتختم مصادر “حزب الله” بدعوتها الرئيس الحريري الى أن “يضرب بيد من حديد على الطاولة ويُشكّل حكومة بمن يريد فعلاً ولادتها”.