كتبت ملاك عقيل في “الجمهورية”:
للمرة الأولى، تقف السياسة والأحزاب عند أبواب «كازينو لبنان». لا يتوقف الأمر على «أيام العسل» التي تشهدها علاقة رئيس مجلس إدارة الكازينو رولان خوري، حامل البطاقة الحزبية في «التيار الوطني الحر»، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بل على خوض رئيس الجمهورية ميشال عون وبري معاً معركة تمديد الامتياز لشركة «كازينو لبنان»!
تحت تأثير «وهج» العهد الرئاسي الجديد عقدت شركة «كازينو لبنان» جمعية عمومية في نيسان العام الماضي بعد توقّفها عن الانعقاد منذ 2011.
تمّ تعيين «العوني» رولان خوري وأعضاء مجلس الإدارة بمحاصصة طائفية وسياسية، فيما رُبطت براءة الذمّة لرئيس مجلس الإدارة السابق حميد كريدي بنتيجة التحقيقات القضائية التي فُتحت في وجه الأخير بتهم هدر أموال عامة بعد إحالة ملفّه الى النيابة العامة في شباط 2017 من جانب وزير العدل سليم جريصاتي، وصدور قرار عن المدّعي العام التمييزي سمير حمود بمنع السفر عنه في آذار من العام نفسه.
والأهم تمّ حجبُ الصلاحيات عن المجلس الجديد لناحية التوظيفات والترقيات والمناقلات وزيادة الرواتب والإحالة على التقاعد.
سابقاً، شكّلت «حالة كريدي»، المحسوب على رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، واحدةً من منصّات القصف المركّز لقيادات «التيار الوطني الحر» ولعون نفسه على «مكامن الفساد». لكنّ الرجل الذي صدر قرارٌ قضائي بمنعه من السفر واتّهامه بـ «إساءة الامانة» (قرار المدّعي العام لجبل لبنان كلود كرم 14 حزيران 2017) يطير من دولة الى أخرى بحرّية تامة ويتصرّف وكأنّ «الملفات» في حقه مجرد «مزحة» خصوصاً أنّ أوساطاً مطّلعة جداً تؤكّد أنّ «فريقين سياسيَّين أساسيَّين في البلد يرفضان المسَّ بكريدي»!
يقول خوري «لم أُسأل بموضوع كريدي. الرأي العام هو الذي «يحاكم» هذه المرحلة، والقضاء يدينه بالفساد او يبرّئه، مع العلم أني، كمراقب آنذاك، لم أكن موافقاً على أداء المرحلة السابقة».
على خط آخر، بدا حجبُ صلاحيات التعيين والتوظيف والترقيات عن مجلس الإدارة الجديد مرتبطاً بأكثر من عامل منها، على ما يؤكّد العارفون، نتاج العلاقة المتوترة التي كانت سائدة في تلك الحقبة بين بري و»التيار»، كون محمد شعيب رئيس مجلس إدارة شركة «إنترا»، مالكة 52% من أسهم شركة «كازينو لبنان»، هو من المحسوبين على بري.
لكنّ الأمور تصبح أكثرَ تعقيداً حين يتبيّن أنّ بري نفسَه رَفَع الغطاء عن شعيب حين لم يضغط لتَمَثُّله شخصياً في مجلس الإدارة الجديد فبقيت «إنترا» المساهم الأكبر خارج أروقة المجلس، فيما يُعتبر هشام ناصر وغسان شكرون حصانَي بري داخل المجلس.
من هذه النقطة تحديداً بدأ الكباشُ الخفيّ بين «إنترا» ومجلس الإدارة المعيّن لناحية تقييد صلاحياته، فالمنع لم يطل فقط التوظيف وما له من امتداداتٍ تسييسية وتنفيعية بل شَمَل صلب العمل الإداري، أي الترقيات أو زيادة الرواتب ونقل موظفين..
سيناريو آخر يفيد أنّ بري ضَغط فعلاً لعدم تعيين شعيب في مجلس الإدارة، لكن ضمن تكتيك، وافق الأخير عليه على مضض، بحيث يتيح لرئيس مجلس النواب في حال انفجار الخلاف بينه وبين العونيين مجدداً استخدامَ ورقة «الكازينو» بكل حرّية. وبالتأكيد، سيوضع ملفّ «إنترا» نفسُه على طاولة الحكومة المقبلة حيث يجاهر «التيار الوطني الحر» في برغبته في حجز حصة داخل مجلس إدارته.
وفيما برزت أصوات من داخل البيت العوني وجّهت لوماً لـ «العهد القوي» المفترَض أن يعلنها معركة، منذ البداية، لرفض أيِّ تقييد للصلاحيات، خصوصاً أنّ الكازينو من المواقع الأساسية المحسوبة على الرئاسة الأولى، يقول خوري «لا علاقة للرئيس بري بحجب الصلاحيات، ولا نرى أنّ هناك نيّاتٍ سيّئة تجاه فريقي السياسي أو تجاه رئيس مجلس الإدارة أملت اتّخاذَ هذه الخطوة.
هناك مرحلة في الإدارة السابقة حصلت فيها محسوبيات وتوظيفات عشوائية وكيدية في التعامل وتمّ صرف لأموال لم يكن لها أيُّ لزوم ولا تفيد مصلحة الكازينو، إضطُر بعدها حاكمُ مصرف لبنان رياض سلامة وشركة «إنترا» الى وضع ضوابط، أقلّه في السنة الأولى».
لكن ما اعتُبر بمفهوم بعض العونيين «تخاذلاً» في معركة الصلاحيات فُسِّر لدى آخرين «تحرُّراً» من عبءٍ كبير وثقيل إسمه «التوظيفات السياسية» داخل «الكازينو».
عملياً، كان الأمر سيؤدي الى توسيع رقعة «الحشو» ورفع نسبة الرواتب بزيادة نحو 100 مليون دولار، وبالتالي جرّ المرفق العام الى مزيد من الإفلاس. يمكن أيُّ متابع لملف الكازينو أن يستنتج أنّ توقيف «التوظيف السياسي» مرحلياً في الكازينو شكّل «همّاً بالناقص» على العهد، خصوصاً على أبواب الانتخابات النيابية وتوقع حصول «تسونامي» طلبات توظيف. أكثر من ذلك، أوقف «فَجَع» السياسيين عموماً على «مكارم» الكازينو.
مع ذلك، وعلى رغم حجب الصلاحيات و»رقابة» شركة «إنترا» المتشدّدة تمكّن خوري، على ما يقول، من «الإنتاج بالحدّ الأدنى، وإنّ أحداً لم يتمكّن من منعي من تنفيذ ما أُريد لكن بالمنطق وبالحقّ وبخلفية إدارية بحتة».
هكذا، وفي ظلّ قرار بمنع المناقلات تمكّن خوري من نقل أكثر من 30 موظفاً، بموافقة «إنترا» لاحقاً، من الـ nongaming الى gaming، بعد إجراء دورة امتحانات بواسطة المديرين المباشرين، ووفق شروط متشدّدة، وبسبب الحاجة الملحّة الى موظفين في صالات القمار، والملفت أنّ معظم الناجحين كانوا من خارج «الفلك العوني». وبالمنطق نفسه استُعين بموظفين بدوام جزئي لقسم «المأكولات والمشروبات»(F and B)، حيث تمّت الاستعانةُ بطلاب جامعات بعقود مدتها ستة أشهر فقط!
يفترض، وفق المعلومات، أن تنعقد الجمعية العمومية الأولى في ظلّ مجلس الإدارة الجديد في تشرين الأول أو الثاني المقبلين ويتصدر جدول أعمالها موضوعُ استعادة الصلاحيات «المفقودة» ما سيتيح للمجلس إجراء مناقلات وتشكيلات وترقيات وتثبيت مكلفين وإحالات الى التقاعد بعد موافقة الجمعية العمومية، إضافة الى التصديق على البيانات المالية للشركة التي يتولّاها مفوّض المراقبة شركة «ديلويت اند توش» والتي أنجزت تقريرها منذ نحو عشرة أيام.
لكن غير محسوم بعد هل إنّ الجمعية العمومية التي تسيطر عليها «إنترا» و»أبيلا» (يمتلك مصرف لبنان 33% من أسهم «إنترا»، فيما تملك شركة «أبيلا» 17% من أسهم الكازينو) ستمنح مجلس الإدارة براءة الذمّة عن أعماله للسنة الأولى. يقول خوري في هذا الصدد: «هذا تفصيل غير مهم، ولن أطلب من أحد منحي إياها، نحن نعمل بكل شفافية وحسابات الكازينو واضحة ولا شيءَ نخفيه».
كذلك ليس معروفاً هل سيتمّ توزيع أنصبة الأرباح على المساهمين خلال الجمعية العمومية، وسيكون المعيار الأساس، على ما يؤكد خوري، وضع الشركة المالي، خصوصاً أنّ هناك «نفضةً» وورشة تأهيل داخلية يشهدها الكازينو تباعاً، كما هو في حاجة ماسة لاستثمارات لن يكون متاحاً توسيع دائرتها والشركة في حالة عجز.
من زيارة التعارف الأولى التي قام بها خوري الى بري «ركبت الكيمياء» بين الحزبين العوني و»القابض» على قرار الكازينو من خلال شركة «إنترا». وفيما كان الصراخ السياسي يعلو ويشتدّ بين حركة «أمل» و»التيار الوطني» كان التنسيق بين الرجلين يأخذ مجراه.
خوري أخذ «كارت بلانش» من رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل في أسلوب إدارة ملفّ الكازينو لوضع خطٍّ فاصل مع ممارسات المرحلة السابقة ووضع المرفق العام على خط «الاستثمار الجيد» لمصلحة الدولة وإبعاد شبهة التنفيعات عنه وكسر الصورة النمطية عنه بوصفه «نبعاً» للفساد والهدر والمحسوبيات والحشو الوظيفي و»اقبض وما تشتغل».
الشاب الحزبي قدّم صورة معاكسة لأداء حزبه في السياسة. فخوري كسب سريعاً ثقة واحترام الجميع حتى الخصوم، بسبب ابتعاده عن الكيدية واعتماده شفافيّةً غيرَ معتادة في هذا الموقع، فيما «التيار» بالسياسة «يشاكس» تقريباً الجميع ويوسّع دائرة خصومه!
أحد العوامل التي يستند اليها خوري للنجاح في ملفه هو عدم فتح المجال لتدخّلات أيِّ طرف سياسي حتى «فريقه». ينسحب هذا الأمر حتى على نواب كسروان وزميله في «التيار» نائب المتن آدي معلوف الذي قدّم استقالته من موقعه في الكازينو بعد إنتخابه. ما يسهّل المهمة فعلاً على خوري هو «حنفية» التوظيف التي لا تزال مقفلة. وبلغة الأرقام والمصلحة يحتاج الكازينو فعلياً الى مزيد من «التشحيل» وليس التوظيف!
لا يرى رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان أنه سيخوض «معركة» صعبة من أجل تمديد الامتياز. وفق المعلومات، هناك اقتناع مشترَك بين رئيس الجمهورية وبري بالمضي في مشروع التمديد من دون ممانعة الرئيس سعد الحريري، فامتياز الثلاثين عاماً الذي ينتهي بعد 8 سنوات، وفي حال عدم تجديده، سيشكّل «إبرة شلل» إستثماري في عروق المرفق السياحي.
حالياً يعكف محامو الشركة على إعداد بنود مشروع القانون المفترض أن تناقشه الحكومة المقبلة وتحيله الى مجلس النواب لإقراره. يقول خوري: «نحن ننسّق مع وزارة المال من أجل التوصل الى صيغة «ذكية» لا تخسّر مالية الدولة ولا ترهق الكازينو بالضرائب». مع العلم أنّ إدارة الكازينو وقّعت اتّفاقيةً مع الدولة عام 1995 تتيح «الاستثمار الحصري لألعاب الميسر على الأراضي اللبنانية كافة» لفترة 30 سنة، وذلك قبيل إعادة افتتاحه عام 1996.
وفيما يتخوّف قريبون من رئيس الجمهورية أن تتمّ إعاقة تمديد الامتياز من ضمن «عدة شغل» عرقلة العهد وخطف «إنجاز» منه قد يتحقق، فإنّ متابعين يؤكدون «أنها معركة رابحة للجميع لـ «إنترا» ولبري ولرئيس الحكومة وللعهد ولمصرف لبنان، فليس هناك من متضرّر إلاّ مَن يرغب بمزيد من الازدهار لكازينوهات قبرص»!
عملياً، تبدو معركة الامتياز وإعادة درس الضرائب المفروضة على الكازينو (تشكّل 50% من مدخوله) أهون بكثير من «الحرب» المعلنة التي يخوضها خوري بضراوة ضد نحو 600 صالة للقمار غير الشرعي، والتي تخسّر الكازينو والدولة نحو 40 مليون دولار سنوياً، مع العلم أنّ «الكازينو» يخرج تدريجاً من خساراته المتراكمة وقد حقق ربحيّة عام 2017 بنسبة ثلاثة ملايين دولار، أي ما نسبته 18%.