كتب طوني رزق في “الجمهورية”:
سرقت قوة الدولار الأميركي وتوقعات استمرار سياسات رفع الفائدة الأميركية كلّ بريق الذهب ودوره التقليدي كملاذ آمن، وسط تفاقم الحرب التجارية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة بشراسة.
إنها حالة من الاحباط تسيطر على المستثمرين في الذهب حالياً فى ظل استمرار تهاوي أسعاره على الرغم من المخاوف والتوترات العالمية جرّاء الحرب التجارية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، والتي تهدد مستقبل الاقتصاد العالمي.
ورغم كون الذهب من أهم الملاذات الآمنة للمستثمرين لكنه لا يزال الاقل اهتماماً من جانب الاسواق في اللجوء إليه كما حدث مع باقي الملاذات الآمنة كالين الياباني والفرنك السويسري.
ولم يفلح كل الكلام الذي يقال بشأن الاقتصاديات الناشئة وقدرة دونالب ترامب على إضعاف الدولار الأميركي وفرض تعريفات الحرب التجارية في إقناع المستثمرين بشراء المعدن الثمين، على الرغم من التراجعات القاسية في عملات الأسواق الناشئة الرئيسية (الصين والهند وروسيا وأخيراً تركيا) بينما تبقى كلمة السر واحدة وهي قوة الدولار الاميركي وارتفاع الفائدة الاميركية. وهذا ما خفّض الذهب من مستويات الـ 1350 دولاراً الى 1187 دولاراً امس.
وذلك بعدما تجاوز مؤشر أداء الدولار مستوى الـ 97 نقطة. ويبدو انّ الاسواق مقتنعة بجدوى التوظيف بالدولار على حساب العملات الاخرى، وخصوصاً تلك العائدة لدول الأسواق الناشئة.
وعادة ما يكون ارتفاع التضخم في الصين والهند سبباً مهماً لشراء الذهب، ولكن لا معدلات التضخم ارتفعت بقوة كبيرة في الصين (2.1% حالياً) ولا الهند ألغت الضرائب والرسوم على واردات الذهب. بينما يبدو أنّ تراجع عملات الأسواق الناشئة (الروبية الهندية والروبل الروسي) دفع الكثيرين لشراء الدولار بدلاً من شراء الذهب التقليدي.
لا يبالغ من يقول انّ هذه المستويات الفنية المنخفضة للذهب سوف تفتح مزيداً من التراجعات الى مستويات أدنى عند 1154$ ومن ثم 1130$ للأونصة، حيث ليس هناك حالياً أي سبب قد يعيق الدولار الأميركي عن تحقيق المزيد من المكاسب. ويبدو انّ الذهب لن يحقق اي مكاسب في غياب اي تراجع للدولار.
مع الملاحظة انه عندما حقق الذهب مكاسب جيدة خلال العام الفائت وارتفع بنسبة 12% تقريباً، كانت بسبب تراجع الدولار الأميركي وليست نتيجة مخاوف جيوسياسية كما يعتقد البعض. ويبقى الذهب أداة استثمارية عادية كبقية الأدوات الأخرى (سندات، عملات، أسهم) وليس كما يظن البعض أنّ شراءه قد يعني عدم الخسارة.
وحاولت اسعار الذهب الارتداد الى أعلى، ولكنها لم تكن قوية بما يكفي مع استمرار قوة الدولار الاميركي، وحتى مع تفاقم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الاميركية والصين مجدداً مع فرض الولايات المتحدة للمزيد من التعريفات الجمركية على المنتجات الصينية، وتهديد الصين بالرد المناسب على تلك الخطوة ولجوء المستثمرين على أثر ذلك الى الملاذات الآمنة كالين الياباني، ورغم كون الذهب من تلك الملاذات الّا أنه لا يزال يعاني من ضعف فرص تحقيق المكاسب.
حيث انّ قوة الدولار الاميركي لا تزال قائمة، والدعم الاخير جاء من الاحتياطي الفيدرالي، والذي لا يزال يدعم مسار مزيد من خطوات رفع الفائدة على الدولار وتجاهل انتقاد ترامب لسياسته، ولكنه لا يزال يحذّر من تبعات الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة.