كتب يقظان التقي في صحيفة “المستقبل”:
غادرتنا الجمعة الزميلة العزيزة والفنانة سحر طه عن عمر 61 عاماً، صديقة وزميلة المهنة، والمرأة الطموحة والحرّة الطيبة السريرة وصاحبة الحضور الجميل والأنيق.
رحلت سحر طه السمراء العراقية على رهافة وكان مكتبها في الزاوية ما زال شاغراً وينتظر حضورها بشكل وآخر لمعاودة كتاباتها الموسيقية النقدية وبانتظار سحر وما تملكه من ألفة وشفافية وشخصية أنثوية جميلة.
موت قاسٍ بعد صراع طويل مع المرض امتد نحو 15 عاماً، واجهته بتحدٍ إلى أن تدهورت صحتها وحالتها العامة بعدما توغّل المرض في كل جسدها.
رحيل قاسٍ علينا. فقد فقدنا زميلة ورفيقة وفنانة وكاتبة فذّة في مجالها الموسيقي النقدي وفي مجال الأغنية العراقية والطرب نتيجة تركيبتها الداخلية الموسيقية المتأنية والمتأملة في المقامات والأدوار. وكان لها تجربة مهمة في توثيق المدارس والموسيقى العراقية التراثية وبتلك الاختصاصية الموحية بالمعرفة العميقة وبالعودة إلى الروافد الإنسانية.
ماذا يمكن أن نكتب عن سنوات من العمر مُشتركة برفقة سحر طه. وأن نكتب بعد رحيلها، عن حجم الحزن على شخصية بكل تلك الرهافة الشاعرية، وبكل ما يملكه وجهها من ملامح ودية، عن شابة رافقناها مكتظة بالحياة والحرارة والحيوية؟
لا يترك الموت أجوبة سوى لحظات صمت حزينة وعميقة، لم ينتظر الموت عودتها إلى بيروت التي أحبّتها كما بغداد، الشابة والمرأة ترعرعت على نوافذها وألوانها وطرقاتها وصالوناتها الأدبية والموسيقية.
الموت لا يترك سوى الحزن على وجه سحر الجميل، المرأة القوية في مواجهة المرض الخبيث، على سحرها وصوتها العراقي الدافئ الذي تطلقه وأنغامها ودندناتها على آلة العود، التي رافقتها طويلاً.
شابة استطاعت أن تخترق قلوب الكثيرين، جعلت من بيتها صالوناً للثقافة والأدب والموسيقى برفقة زوجها وشريكها الإعلامي الصديق سعيد طه، وهي حققت الكثير في مجال الأغنية العراقية والتوثيق الموسيقي.
أتذكّر دموعها السخيّة إبان الحرب الأميركية على العراق وخلال سنوات الأزمة ووقفاتها التضامنية مع بلدها العراق ونبراتها القوية في مواجهة سلخ العراق عن عروبته وإبان النزاعات الدموية.
هي سحر طه بكل تلك المسحة العراقية، واللغة الحيّة، والتواصلية مع الجميع من دون عداوات «الكار» ومن دون ضوضاء كثيرة، وبكل ذلك التواضع والتلقائية والإنسانية تخفي وراءها عمق الشعور والأحاسيس الصادقة.
نفتقد سحر طه بكل تلك الغزارة في الكتابات النقدية والاختصاصية الموحية بالمعرفة التي تعود إلى روافد إنسانية.
تغيب عنّا سحر، تلك الإطلالة الرقيقة والنافذة إلى القلب. وهي علّمتنا بعدما أصابها المرض بالوهن، معنى فعل المستحيل لعدم تساقط الروح، مع كل الحنان الذي سيبقى إثر حياة خصبة، وبريق وما الموت إلا تلك الظلال.
رحلت سحر، وهي ستعود إلى بيروت، على الطريق نحو بغداد، إلى نهر الأغاني المشتركة والعمر المشترك، وسيبقى وجهها هنا، الوجه الوديع يتكلم عن سنوات هي العمر وأكثر.
سنشتاق إليك سحر طويلاً…