كتبت رولا عبدالله في صحيفة “المستقبل”:
رحل عميد الطيارين اللبنانيين سعد الدين أحمد دبوس تاركاً في عهدة أولاده وأحفاده وتلامذته شموخ وإباء الأرزة اللبنانية في اختراقها جدار السماء على طول الخط الذي يأخذ إلى رحلة عمر مهنية قوامها نحو 26 ألف ساعة طيران، مزدحمة منذ العام 1947 بجولات ومحطات في مختلف مطارات العالم، حيث المتغير في الرحلة هم الركاب والثابت فيها قناعة المسافر في سرعة وبديهة وبراعة وحنكة الطيار اللبناني في الإحاطة بمختلف مفاجآت وطوارئ الطيران من تقلبات مناخية وأعطال في الميكانيك إلى الإقلاع والهبوط، فكيف إذا كان الراحل هو أب الطيارين الذي يحمل البطاقة رقم 1 للطيران في لبنان، وهو الكابتن الذي قاد أول رحلة مدنية من بيروت إلى القاهرة قبل أكثر من نصف قرن، وهو القائد النقيب الذي احتضن مئات الخريجين من «الطيرجية» ممن أسهموا في رفع اسم شركة الميدل إيست عالياً في الأجواء المحلية والإقليمية والعالمية بشهادة «حسن طيران وسلوك».
في رحلة العمر التي تجاوزت العقود التسعة، درس الكابتن الراحل ابن رأس بيروت المحاسبة في الجامعة الاميركية حيث شغل لاحقاً وظيفة محاسب في شركة الـ«ميدل إيست» في العام 1947، ومن ثم التحق في الشركة نفسها بدورة لتدريب الطيارين اللبنانيين، وبتشجيع من الرئيس صائب سلام والمهندس فوزي الحص، ولا سيما أن معظم الطيارين آنذاك كانوا من الفرنسيين والانجليز والأميركيين.
يستذكر ابنه الكابتن الطيار طارق شجاعة والده، إذ تفاجأ مرة بعطل أصاب الطائرة من طراز «فايكنغ» أثناء هبوطها على المدرج الأمر الذي أدى إلى جنوحها، فما كان من والده إلا أن استدرك الطارئ وتمكن من السيطرة على الطائرة وانقاذ الركاب من موت محتوم. وفي حينه أدين والده إلى أن حضرت لجنة انكليزية للتحكيم أثنت في تقريرها على حنكة الطيار اللبناني في التحكم بالطائرة والسيطرة عليها.
ويقارن الكابتن طارق بين مشقة عمل الطيار في زمن والده وبين الزمن الحاضر، إذ كان الراحل يمضي نحو 233 ساعة في الأجواء خلال الشهر الواحد في حين جرى لاحقاً تحديد عدد الساعات على أن لا تتعدى الـ95 ساعة خلال الشهر، لافتاً إلى أنه أمضى نحو 44 سنة في الخدمة بصفته طيار ومع ذلك لا زالت عدد ساعات الطيران أقل من الساعات التي أمضاها والده الذي خدم نحو 40 عاماً.
وكان تدرب الراحل في القاهرة، ولأنه تميّز في دفعته قررت الشركة إرساله إلى بريطانيا لإتمام تدريبه الفني، ونجح بتفوّق في اختبار شركة «بان أميركان» العالمية التي قال رئيسها: «امتحنتُ في حياتي المهنية أكثر من 12 ألف طيار، لكنّ سعد الدين دبوس ترك بي إعجاباً وتقديراً لافتَين بحنكته ومهارته وذكائه الحادّ».
وخلال العيد السبعين لـ«الميدل إيست» عام 2015 حلقت طائرة «إيرباص 320» مطلية بالألوان القديمة للشركة فوق مدينة بيروت وكان على متنها دبوس، وهو في عمر التسعين، وكل من ولديه وحفيديه الطيارين، تقديراً لعطاءاته وجهوده التي قدّمها للشركة.
شغل دبوس مركز مسؤول برنامج تدريب الطيارين في الميدل إيست، وتقاعد عام 1985 في سن الستين، وكانت آخر رحلة قام بها من القاهرة إلى بيروت تماماً مثل أول رحلة له. نال وسام الأرز الوطني من رتبة فارس عن مسيرته الحافلة بالنجاح وبعد تقاعده عمل عشر سنوات مستشاراً في الإتحاد العربي للنقل الجوي.
نعته نقابة الطيارين اللبنانيين مستذكرة سيرة الطيار الأول الذي أدى مهمته على أكمل وجه طيلة أربعين عاماً، وجاء في النعي:«بقلوب ملؤها الرضا بمشيئة الله تعالى، وحزن الفراق، نودع نقيب، ورائد، وأب الطيارين اللبنانيين، الكابتن الطيار سعد الدين دبوس، الذي كان أول برعم يزهر في سماء الطيران في لبنان والبلاد العربية. وقام بغرس طيب المهنة في قلوب أولاده وأحفاده، ومعظم الطيارين الذين دربهم وعاصروه بالمحبة والإحترام. تتقدم نقابة الطيارين اللبنانيين بكافة أعضائها من إداريين ومنتسبين إليها، ببالغ الحزن وأحر التعازي القلبية، من أهله وأولاده وأقاربه، راجين من الله تعالى أن يسكنه فسيح جناته، وأن يغمره بفائض حنانه وبركته».
ونعت شركة طيران الشرق الأوسط الخطوط الجوية اللبنانية أحد كبار قدامى موظفيها وأول قائد طائرة مدني لبناني «سعد الدين أحمد دبوس» الذي توفي يوم الأربعاء الواقع في 15 آب 2018 بعد خدمات جليلة في قطاع الطيران التجاري امتدت على مدى أربعين عاماً.
وعنه يحكي رئيس جمعية سواعد البيئة والتنمية سهيل مصطفى المكحل على صفحته الخاصة:«كان إلي الشرف انو باشر مهنة الطيران بالسبعينيات تحت قيادة الكابتن الجد سعد الدين دبوس علی طائرات البوينغ B747 والـ 707 والـ 720، وبالثمانينيات كمان بعد انضمام ابناءه الكابتن طارق دبوس والكابتن هشام دبوس علی البوينغ والايرباص بكل أنواعها، واليوم كمان بالـ 2015 مستمرون بالطيران مع الأحفاد الدبابيس الشباب سعد ووسيم الأعزاء وان الله راد منشوفهن بسدة القيادة «كابتن» كمان متل الأباء وجدهن الأكبر.عيلة بيروتية بترفع راس لبنان، عريقة بالطيران والأخلاق والسمعة الحسنة».