Site icon IMLebanon

التصدُّع السياسي في لبنان يتجه نحو… المواجهة

عشية دخولها شهرها الرابع، تقف أزمة تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان أمام مرحلة تصعيدٍ متدحْرجٍ «قَفَزَ» فوق التعقيدات المتّصلة بالأحجام الى التموْضعات والخيارات الإقليمية للبلاد التي يُخشى أن يكون التصدُّع السياسي الذي أصابها من بوابة هذا الملف يتّجه نحو المواجهةِ بعناوين الانقسام الذي كان حَكَمها لأعوام و«خطوط التماس» نفسها التي «موّهتْها» التسوية الرئاسية (اكتوبر 2016).

فلم تكد بيروت أن «تبتلع» التطور «القاصم» لسياسة النأي بالنفس التي «يحتمي» بها لبنان لتفادي «العين الحمراء» الخليجية والأميركية على إيران و«حزب الله» والذي تَمثّل باستقبال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله وفداً من الحوثيين وما شكّله هذا التطور من رسالة «بالفم الملآن» حول مدى انخراطه بالأزمة اليمنية وبمواجهة السعودية خصوصاً، حتى جاء الكشف عن إجراء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أخيراً اتصالاً هاتفياً بالرئيس السوري بشار الأسد ليؤشر على مرحلة جديدة بالكامل دَخَلها الواقع اللبناني وفق «قواعد سلوك» مغايرة من «حزب الله» والفريق الرئاسي تشي باندفاعةٍ بأبعاد «استراتيجية» تجاوزتْ تسوية 2016 ومرتكزاتها السياسية (النأي بالنفس عن أزمات المنطقة وحروبها وتحييد الملفات الخلافية وفي مقدمّها الموقف من الأزمة السورية) التي تَبرز مخاوف مبرَّرة من أنها صارتْ «من الماضي».

وإذ رُبط اتصال عون بالأسد، وهو الأول الذي يجري الإعلان عنه من انتخاب الرئيس اللبناني والذي كشفته صحيفة «الأخبار» (القريبة من «حزب الله»)، بالبحث في موضوع النازحين السوريين وسُبُل تسريع عودتهم إلى ديارهم، فإن هذا التطور وما عبّر عنه من فتْح الطريق علناً أمام تنسيق سياسي على أرفع مستوى من باب ملف النزوح، تَرافَقَ مع إماطة اللثام أيضاً عن اتصالٍ أجراه قائد الجيش العماد جوزف عون برئيس الأركان في الجيش السوري وزير الدفاع العماد علي عبد الله أيوب، مهنئاً بمناسبة عيد الجيش في الأول من أغسطس، والذي يصادف أيضاً عيد الجيشين في البلدين وانه تخلّله تشاور في التنسيق الأمني المشترك بين البلدين من خلال عمل مكتب التنسيق الذي يعمل بشكل متواصل في مجالات حفْظ الأمن على حدود البلدين.

وتعاطتْ أوساط مطلعة في بيروت مع خطوتيْ نصر الله ثم عون على أنهما تتكاملان في تأكيد أن هذا الفريق وضع البلاد أمام «منعطف» استراتيجي جديد، انطلق مسارُه بطريقةٍ ممنْهجة ولن تكون نتيجته إلا مزيداً من تعقيد الأزمة الحكومية وإعطائها أبعاداً أكثر اتساعاً، وسط عدم استبعاد أن يكون من أهداف «المواجهة المكتومة» التي أُعلنت على مستوى الداخل كما بإزاء الخارج، اتكاءً على «إفلات» النظام السوري من أزمته، إحراج الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لإخراجه عبر محاولة تظهير أنه واجهة لعملية سياسية يديرها الآخرون و«يقررون» فيها من دون أن تكون له القدرة على «تغيير حرف فيها».

وتوقفت هذه الأوساط عند ما نُقل عن عون أمس وفحواه أنه معنيّ بإبداء موقفه من تشكيلة حكومية يقدمها إليه الحريري كي يقرر توقيعها أو لا، إلا أنه ليس طرفاً بمفاوضات التأليف، داعياً الرئيس المكلف الى «تأليف الحكومة التي يريدها هو»، ومستغرباً الخوض بموضوع العلاقات مع سورية في مرحلة تأليف حكومة وليس صوغ البيان الوزاري ومشيراً الى «أن البيان الوزاري مهمة الحكومة بعد صدور مرسومها. والأمر مرتبط بوزراء الحكومة وبمجلس النواب إذ تنال ثقته وفق بيانها الوزاري. ولا أفسّر استعجال التطرق إلى ملفات كهذه، سورية أو سواها، من قبيل تعمّد عرقلة التأليف وفرض شروط عليه».

ولاحظت الأوساط نفسها أن سلوك رئيس الجمهورية تجاه التطبيع مع الأسد أعطى مؤشراً قوياً على ما سيضغط فريقه و«حزب الله» (وحلفاؤه) ليكون عليه البيان الوزاري في الحكومة التي سيكون لهما في مطلق الأحوال الأكثرية فيها كما في البرلمان، بما يشي بأن اختلال التوازنات الذي عبّرت عنه نتائج الانتخابات النيابية بدأ يعطي مفاعيله السياسية في موازاة استمرار الصراع لتحجيم حصة طرفيْن يعاندان أي تموْضعات اقليمية للبنان تنطلق من «حساب الربح» للنظام السوري، وهما «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط الذي يُراد سحب ورقة حصرية التمثيل الدرزي وزارياً به، علماً أن الحريري على موقفه الرافض أي استهداف لحليفيْه لأن ذلك سيعني «استفراده».

كما توقفت الأوساط عند انتقاد عون النأي بالنفس «إذ قبِلنا في السابق بسياسة النأي بالنفس عن أحداث الشرق الأوسط خصوصاً سورية، حتى وجدنا أنفسنا ننأى بأنفسنا نحن عن الدفاع عن أرض الوطن»، وإعلانه «اليوم لنا حق أكثر من طبيعي في المطالبة بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد استقرار أحوالها… والآن ثمة انفراج مع بدء فتح الطرق المغلقة، فهل يجوزألا نستعمل ممر نصيب لإمرار صادراتنا؟»، وذلك فيما كان وزير الخارجية جبران باسيل غداة بحثه ملف النازحين في موسكو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يعلن ان «أحداً لم يدعُ الحريري لزيارة سورية، والعلاقات معها ليست مقطوعة، بل هي دائمة وقائمة بشكل طبيعي وأين مصلحة لبنان يجب الذهاب إليها»، معتبراً أن «لا سبب لاختراع أزمة علاقات لبنانية – سورية، والحريري ربّما يدافع عن مبدأ شخصي تجاه سورية، لكن على المستوى الوطني، لا يجوز أن يلعب دور المعطّل لمصالح لبنان باتجاه مداه العربي، وهو لا يريد ذلك».

وعلى وقع تلويح رئيس الجمهورية بمهلة غير مفتوحة أمام الحريري «وليس لأي أحد أن يضع البلاد برمتها رهينة عنده ويعطلها» و«سأنتظر حتى الأول من سبتمبر فقط وبعد ذلك سنتكلم»، لا يبدو أن الرئيس الحريري في وارد التراجع عن «الصمود» على ثوابته في التأليف الرامية الى منْع انزلاق البلاد الى مرحلة تكريس انكسار التوازنات وتالياً كشْف لبنان بالكامل أمام «العصْف» المقبل على الجبهة الأميركية – الإيرانية وامتداداتها.