كتب حسين عبد الحسين في صحيفة “الراي الكويتية”:
الهجوم الشرس الذي شنّه وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ضد “الدائرة السياسية في الأمم المتحدة”، يشي بأن رئيس هذه الدائرة، الديبلوماسي الأميركي السابق جيفري فيلتمان، ما يزال يزعج تحالف إيران وروسيا والرئيس السوري بشار الأسد.
واتهم لافروف هذه الدائرة السياسية بـ”إرسال مذكرة سرية تحظر على المنظمات التابعة للأمم المتحدة المشاركة في أي مشروع هدفه إعادة تأهيل الإقتصاد السوري”. وهاجم لافروف الولايات المتحدة وحلفاءها لربطهم أي مساعدة للحكومة السورية بعملية الانتقال السياسي، واتهم العواصم الغربية بالضغط على الأمم المتحدة للبقاء بعيدة عن جهود إعادة إعمار سوريا، وقدم مثالاً على ذلك وكالة “اليونيسكو”، الذراع الثقافية للأمم المتحدة، المترددة في إعادة تأهيل مواقع أثرية شهيرة، مثل مدينة تدمر شرق سوريا.
وكشف لافروف أنه اتصل بالأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس معترضاً على تلكؤ المنظمة في المشاركة بجهود إعادة إعمار سوريا، معتبراً أن في الأمر انحياز ينتقص من مصداقية المؤسسة القائمة على المساواة بين كل الدول الأعضاء. وحض لافروف الدول الغربية على التوقف عن محاولة استغلال الأمم المتحدة سراً.
في واشنطن، ردّت مصادر رفيعة في إدارة الرئيس دونالد ترامب على اتهامات لافروف بالقول إن “تلكؤ الأمم المتحدة في المشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا ليس سراً أبدا”.
وقالت المصادر إنه، على الرغم من هوية فيلتمان، الذي سبق أن عمل سفيراً لبلاده في لبنان ومساعداً لشؤون الشرق الأدنى لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، إلا أن “جيف ديبلوماسي محترف، ولا يتصرف وفق أهوائه ولا أهواء واشنطن، وهو يلتزم القوانين الداخلية للمنظمة، ويعمل بموجب المذكرات الصادرة عنها وبموجب قراراتها”.
ولفتت إلى أن “مذكرة الدائرة السياسية للأمم المتحدة الى الوكالات التابعة للمنظمة، والقاضية بعدم التعاون مع حكومة الجمهورية العربية السورية، هي مذكرة مستندة الى القرار 66/253، الصادر عن الجمعية العامة في 3 اغسطس 2012، والذي تبنته الجمعية بغالبية 133 عضواً، والذي يحدد كيفية التوصل الى تسوية سياسية في سوريا”.
واضافت المصادر الأميركية ان القرار المذكور تبنّى، وقتذاك، البيان الختامي لـ”مجموعة العمل حول سوريا”، التي انعقدت بجنيف في 30 يونيو 2013، بعضوية ممثلين عن أمانتي الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووزراء الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والأمم المتحدة وتركيا والعراق والكويت وقطر وممثلين عن الإتحاد الأوروبي .
في البيان الختامي المذكور، والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، حدّد المجتمعون خطوات الانتقال السياسي في سورية على الشكل التالي: “قيام هيئة انتقالية حاكمة يمكنها فرض بيئة محايدة تسمح بحصول الانتقال، وهو ما يعني أن الهيئة الانتقالية الحاكمة تمارس كل الصلاحيات التنفيذية… ويمكنها أن تضم اعضاء من الحكومة (السورية) الحالية، والمعارضة، ومجموعات أخرى، ويتم تأليفها بناء على توافق جميع الأطراف”.
هذا الاجتماع في جنيف هو الذي حصل على اسم “جنيف 1″، وتلك كانت المرة الأولى التي توافق فيها روسيا على بحث مستقبل سوريا، بعد مرور عام ونصف عام على اصرار موسكو على معارضة أي حديث عن الأزمة السورية، واعتبارها ان الاحداث السورية “شؤون داخلية خاضعة لسيادة الحكومة السورية، ولا شأن للمجتمع الدولي للتدخل بها”، حسب المصادر الأميركية.
وكان ديبلوماسيون اميركيون ممن شاركوا في “جنيف 1” عبروا عن دهشتهم لموافقة الروس على البيان الختامي. يومذاك، قال ديبلوماسي مشارك ان الروس رأوا في قبول الغرب تشكيل هيئة انتقالية تجمع نظام الأسد والمعارضين تراجعاً غربياً عن مطلب خروج الأسد من السلطة كشرط للحوار والتسوية، فيما رأت العواصم الغربية والعربية ان موافقة الروس على قيام هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية تعني حكماً انتزاع هذه الصلاحيات من أيدي الأسد وإناطتها بأفراد من نظامه ومعارضين.
هكذا، أوضحت المصادر الأميركية ان الأمم المتحدة حددت بشكل واضح، في قرار تبنته غالبية اعضائها، شكل العملية الإنتقالية في سوريا، وهي “عملية تنقل صلاحيات الحكم الحالي من أيدي الحكومة السورية، بما فيها الأسد، الى ايدي هيئة انتقالية جامعة تتألف من أفراد في نظام الأسد ومن المعارضين، وتشرف على صياغة مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد الصراع”.
واضافت ان “هذه الهيئة، والحكومات التي ستليها، هي التي ستتعامل معها الأمم المتحدة والتي ستقوم العواصم الغربية والعربية بتمويل جهودها لإعادة الإعمار.”
وقالت المصادر الأميركية: “إذا كان السيد لافروف حريصاً على مصداقية الأمم المتحدة، فعليه الالتزام بقراراتها، فالمنظمة لن تنخرط في أي مجهود في سورية ما لم يلتزم الأسد بقرارات المنظمة، وعليه، يمثل استمرار إمساك الأسد بالسلطة التنفيذية خرقاً للشرعية الدولية، وهو ما يفرض إحجام الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها عن التعامل مع السيد الأسد”.
على أن لافروف يبدو انه حاول استخدام كل التهديدات التي بحوزته، فلفت الى ان مصير لبنان يتعلق بضرورة عودة اللاجئين السوريين، الذين تقدّر الأمم المتحدة عددهم في لبنان بقرابة المليون، الى بلادهم. ويبدو أن الوزير الروسي كان ينذر أوروبا ضمنياً بأن تمويلها عودة اللاجئين السوريين، الذي يتطلب حكماً إعادة إعمار قراهم وبلداتهم المدمرة، هو في مصلحة الاوروبيين، وإلا فإن مستقبل أوروبا سيبقى مرهوناً بإمكانية تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إليها.
وقالت المصادر الأميركية ان روسيا محتارة بين تصوير نفسها وكأنها انتصرت في سورية كلياً بلا أي حاجة لموافقة الغرب أو دعمه، وبين محاولتها ابتزاز الغرب بتلويحها بالمزيد من اللاجئين السوريين لإجبار العواصم الغربية على الانفتاح على الأسد وتمويل إعادة اعمار سورية.
وفي هذا السياق، توقفت المصادر الأميركية أمام رمزية الرقم الذي قدّمه لافروف عن عودة اللاجئين السوريين من لبنان الشهر الماضي، برعاية روسية. تقول المصادر: “قال لافروف إن عدد العائدين الى سورية من لبنان بلغ 7000 لاجئ سوري، وإذا كانت هذه هي وتيرة العودة، سيحتاج اللاجئون السوريون الى 12 عاماً لمغادرة لبنان بالكامل”.
واشنطن والعواصم الحليفة “لن ترسل دولاراً واحداً إلى سوريا – باستثناء مناطق شرق الفرات – طالما ان الأسد مستمر في الإمساك بالسلطة التنفيذية في سوريا بما يخالف قرارات الأمم المتحدة”، وفقاً للمصادر الأميركية، التي تختم بالقول: “أما إذا سلّم الأسد السلطة الى هيئة انتقالية، حسب القرارات الأممية، فإن العالم سيقف مستعدا لتمويل إعادة إعمار سوريا والانفاق بما يكفل مستقبلاً أفضل للسوريين”.