كتبت كارولين عاكوم في صحيفة “الشرق الاوسط”:
تقدمت عدد من المنظمات الحقوقية اللبنانية مدعومة بأخرى عربية وأجنبية، برسالة مفتوحة إلى الأمم المتحدة مطالبة بممارسة الضغوط على السلطات لوقف الممارسات القمعية ضد الناشطين في لبنان وحماية حقهم في التعبير، وذلك بعد تزايد ظاهرة التوقيفات في الفترة الأخيرة على خلفية تعبيرهم عن آرائهم وعن مواقفهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبعد خمسة أيام على إرسال الرسالة التي حرصت المنظمات ايضا على إيصالها إلى وزارتي الداخلية والعدل في لبنان، بدأت الأمم المتحدة بالتحرك للبحث في ما تضمنته الرسالة من حيثيات وحالات عن ناشطين تم توقيفهم واجبارهم على التوقيع على تعهدات، إضافة إلى حذف ما سبق ان كتبوه على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب ما يؤكد وسام غالي، المدير التنفيذي لجميعة «ألف» إحدى الجمعيات 17 الموقعة على الرسالة والتي وصل لغاية اليوم إلى أكثر من 22 منظمة عربية وأجنبية.
وتوجهت المنظمات إلى كل من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي التعبير ديفيد كاي، معبرة عن قلقها البالغ بشأن حقوق الإنسان في المرحلة الحالية في لبنان، بحسب ما جاء في الرسالة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها.
وجاءت الرسالة بعد فترة من الاستدعاءات شملت عشرات الناشطين كان آخرهم رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، يوم الخميس الماضي، من قبل مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية طالبا منه الحضور للخضوع إلى استجواب على خلفية منشورات كتبها على حسابه على «فيسبوك». وأشارت إلى أنه ومنذ عام 2016، سجل أكثر من 39 استدعاء لمواطنين بمن فيهم صحافيون بسبب انتقادهم لمسؤولين أو للمؤسسة العسكرية، وقد تم توجيه الاتهام إليهم بموجب المواد 383 إلى 386 من القانون الجنائي الذي يجرم الاحتقار والافتراء والتشهير بحق الموظفين الرسميين.
وتمنت المنظمات في رسالتها على الأمم المتحدة والمقرر الخاص الضغط على السلطات اللبنانية للالتزام بـ«الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» و«حرية التعبير والمعتقد»، والحد من الانتهاكات وإنشاء آليات الوقاية والمحاسبة اللازمة لتجنب تكرارها.
وأكد غالي لـ«الشرق الأوسط»، أنه ومنذ إرسال الرسالة سُجل تحرك لافت للأمم المتحدة ومكتب المقرر الخاص عبر التواصل مع عدد كبير من الناشطين الذين ذكرت أسماؤهم في الرسالة للتأكد والاطلاع منهم على كل ما تعرضوا له، وهو ما يرى فيه خطوة إيجابية. ولفت إلى أن هناك هدفين أساسيين من الرسالة، الأول هو حث السلطات اللبنانية للحد من هذه التوقيفات والثاني دعوة الأمم المتحدة للتحرك، رغم أنها ليست المرة الأولى التي تقوم بها منظمات بتحرك مثل هذا، لكن من دون أن تلقى أي ردة فعل إيجابية في لبنان.
وذكر غالي بما سبق لوزير العدل سليم جريصاتي أن لفت إليه، «بأن رئيس الجمهورية حريص على عدم استدعاء الناشطين لكن النيابة العام مضطرة أن تتحرك وفق القانون»، سائلاً: «إذا كانوا يعترفون بثغرات في القانون فلماذا لا يقومون بخطوات لتعديله؟».
ومع تأكيده على أهمية احترام كرامة الأشخاص يشير إلى أن الشخصيات في مراكز السلطة معرضة للانتقاد وتملك الحق كما الوسيلة للدفاع عن نفسها لكن ليس بتوقيف المنتقدين، مشيراً إلى أن الممارسات التي يقوم بها «مكتب جرائم المعلوماتية» تخالف قانون العقوبات، عندما يقوم عنصر في مخفر بإرغام الناشطين على حذف «البوست» عن صفحاتهم، والتوقيع على تعهدات.
بدوره يؤكد مدير جمعية «لايف» الحقوقية الموقعة أيضا على الرسالة، نبيل الحلبي، لـ«الشرق الأوسط»، على أنه ووفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن حرية الرأي المطلقة، مقيدة فقط بثلاثة شروط، هي احترام الآداب العامة وعدم التجريح بالأشخاص وعدم التعرض لأمن الدولة، وهو الأمر الذي يتم استخدامه في لبنان بطريقة مخالفة. وأوضح، أن «التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي تندرج ضمن التعبير السلمي للرأي بعيدا عن أي تعرض لأمن الدولة أو التحريض على القيام بجريمة معينة».
وعن الخطوة المقبلة المفترضة بعد هذه الرسالة، يشير كل من غالي والحلبي، إلى أنه من المتوقع أن ترسل الأمم المتحدة توصية إلى وزارة العدل اللبنانية عبر وزارة الخارجية تحثها للتقيد بالقوانين واحترام حرية الرأي والتعبير، وهو ما ستستخدمه المنظمات الحقوقية للضغط على السلطات اللبنانية وعلى البرلمان وتحفيزه لتقديم مشاريع قوانين في هذا الإطار ومساءلة الحكومة حول أسباب هذه الممارسات.
وكانت منظمة العفو الدولية قد حذرت الشهر الماضي من استدعاء ناشطين للتحقيق، وتعرضهم للابتزاز كي يوقعوا تعهدات غير قانونية بالامتناع عن القيام بأفعال معينة لا تخل بالقانون، كشرط للإفراج عنهم، مؤكدة أن «ما تسمى بالتعهدات هذه، ليست سوى ضرباً من ضروب الترهيب ولا أساس لها في القانون اللبناني». واستعرضت المنظمة «عدة حالات لم تحترم فيها الأجهزة الأمنية والعسكرية حقوق الموقوفين والمستدعين للتحقيق، ضمن الإجراءات الواجب مراعاتها في الدولة اللبنانية، بما في ذلك الحق في الاتصال بمحام». وأبلغ ناشطون المنظمة بحسب تقرير لها، بأنهم شهدوا على أعمال تعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة تصيب الموقوفين في المكاتب والزنازين المجاورة لهم، خلال فترة احتجازهم.
وأشارت إلى أنه «وفي تطور آخر يبعث على القلق، تبين للمنظمة أن السلطات العسكرية والأمنية تمتلك بصورة تفصيلية البيانات الشخصية لكثير من الناشطين، بما في ذلك حساباتهم المطبوعة على «واتساب»، وما تبادلوه من رسائل نصية مع الآخرين، وتسجيلات لمكالماتهم الهاتفية».
يذكر أنه من المنظمات الموقعة على الرسالة إلى الأمم المتحدة، «ألف» و«المعهد اللبناني للديمقراطية وحقوق الإنسان (LIFE)، و«مؤسسة الكرامة»، و«جمعية الحرية والمساواة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، و«شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، و«الشبكة العربية من أجل ديمقراطية الانتخابات»، و«الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات»، و«مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (سكايز)، و«أمم للتوثيق والأبحاث».