اعتبر مصدر قيادي مسيحي أن احتدام الصراع الخفي على الصلاحيات لمناسبة أزمة تأليف الحكومة يختلف عن عام ٢٠١٦، لأنه إذا صح أن عون استرجع صلاحيات نزعها الطائف من الرئاسة، فإن ذلك حصل نتيجة الزخم الذي جاء به نتيجة تحالفه مع «القوات اللبنانية» حيث كان تكتل هذا التحالف يضم ١٣ – ١٤ وزيرًا مسيحياً في الحكومة، فيما هو الآن على خلاف كبير مع «القوات»، بلغ حد إسقاطه و «التيار الحر» اتفاق معراب على تقاسم المناصب الوزارية والإدارية… ويضيف المصدر القيادي المسيحي بأن «القوات» باتت متشددة إزاء توجه فريق «التيار الحر» نحو الاستئثار بالتمثيل المسيحي، وخوضه المعارك ضد حصتها الوزارية، بحيث يذهب الأخير نحو مزيد من الالتصاق بـ «حزب الله» في الموقف من القضايا الإقليمية، من أجل كسب وده في معركة الرئاسة المقبلة. كما أن المصدر نفسه يشير إلى أن الرئيس عون بدا قوياً في المرحلة الماضية لأن الرئيس الحريري أبدى ليونة مع «التيار الحر» ومع الرئيس عون، لتقطيع المرحلة الماضية وإنجاح حكومته في بداية العهد. لكن الحريري، وفق قول المصدر القيادي المسيحي، لم يعد في مناخ التساهل إزاء «التيار» كالسابق، أولاً لأن حجم «القوات» النيابي صار ضعف ما كان عليه، وثانياً لأن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أثبت قدرته على اجتذاب السواد الأعظم من الكتلة الناخبة الدرزية، وثالثاً لأن مسايرته «التيار» في الانتخابات وتحالفه معه في غير دائرة، كلفاه خسارة عدد غير قليل من مقاعد «المستقبل» النيابية بسبب امتعاض جمهوره من خطاب «التيار الحر» التعبوي الذي لم يوفر قناعات «المستقبل» نفسه. ويتعزز هذا الشعور لدى أوساط «المستقبل» مع «الإنذارات» التي يوجهها فريق «التيار الحر» للحريري بين الفينة الأخرى، تارة بسحب التكليف منه، وأخرى بالدعوة إلى حكومة أكثرية. وآخرها ما نقل عن عون قوله إنه سيكون له موقف بعد الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل من عدم حسم الحريري خياراته الحكومية. ففريق رئيس الجمهورية يرى أن على الرئيس المكلف أن يختار بين «التيار الحر» وبين «القوات» وجنبلاط، حتى لو أدى به الأمر إلى الاختلاف معهما.
يقول المصدر القيادي المسيحي نفسه إن الخشية هي من أن يؤدي تطابق عون و «التيار» مع «حزب الله» في السياسة الإقليمية بسبب معركة الرئاسة الأولى، إلى ترجيح فكرة تعديل اتفاق الطائف في اتجاه اعتماد المثالثة المسيحية السنية الشيعية في النظام السياسي، بحيث يزداد ذوبان المسيحيين أكثر في التركيبة اللبنانية، بعد اتفاق الطائف الذي أعطاهم حق المناصفة، فيكون ثمن الحصول على تأييد «حزب الله» للرئاسة المزيد من التخلي عن الدور المسيحي المميز في لبنان والمنطقة. ويتفق بعض القيادات الإسلامية مع القيادي المسيحي نفسه على التوجس من توجه كهذا، على رغم اعتقاد قيادات أخرى (مسيحية وإسلامية) أن دون ذلك الكثير من العقبات لأن الطائف يتمتع بحماية دولية وعربية، لا تنتج معاكستها سوى مزيد من الإضعاف للمسيحيين في التركيبة اللبنانية. ولا تخفي غير جهة غربية مراقبتها لما يجري حالياً من زاوية اعتقادها بأن الرئيس عون «ليس من المعجبين بالطائف».
وتعتقد قيادات إسلامية أن مسايرة الرئيس عون النظام السوري وإصراره مع باسيل على التطبيع معه، يخالف اتفاقه مع الحريري على سياسة النأي بالنفس، وأنه وحلفاء سورية يستندون إلى التطورات الميدانية الراهنة في سورية، التي لم تثبت على معادلة واضحة بعد. فالتسوية على انتخاب عون رئيساً قضت بأن هذا الموضوع الخلافي لن يجد معالجة له إلا في حال جرى التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وهو ما لم يحصل بعد. وفي الانتظار قضت التسوية ألا يقوم عون بالانفتاح على النظام السوري. إلا أن هذه القيادات ترى أن اندفاع عون وباسيل للتطبيع مع الأسد يعود إلى أنهما يميلان أساساً إلى نظرية تحالف الأقليات في المنطقة، التي تخبو أحياناً ثم تعود حيناً آخر، الأمر الذي يتسبب بنزاع داخلي يقحم لبنان في صراع إقليمي هو أضعف من أن يتحمل نتائجه، مهما كانت صفة القوة في «تكتل لبنان القوي» ولدى رئيس الجمهورية.