كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية: اذا لم تشكل الحكومة الجديدة في النصف الأول من سبتمبر، أي قبل مباشرة الرئيس ميشال عون زياراته الخارجية الموزعة بين نيويورك وبروكسل ويريفان، فهذا يعني أن الحكومة ستتأخر لأشهر إضافية حتى نوفمبر الذي يحدد كمحطة مفصلية في تطور الأحداث (بدء فرض العقوبات الأميركية النفطية على إيران، والانتخابات النصفية في الكونغرس الأميركي).
الاعتقاد السائد أن تأليف الحكومة تجاوز فترة السماح ولم يعد ممكنا الاستمرار في سياسة الانتظار والتأجيل والتأخير، وأن هناك بالفعل أزمة حكومية ومأزقا سياسيا دستوريا يصعب الخروج منه، ويتلخص على هذا النحو: الحريري لا يستطيع أن يشكل حكومة بشروطه، ولا يستطيع أن يمشي بحكومة مفخخة وغير مضمونة.
الحريري لا يؤلف ولكن أيضا لا يعتذر لأنه يعرف أن الاعتذار هذه المرة يعادل الانسحاب والمغامرة بمستقبله السياسي. الرئيس ميشال عون لا يمكنه ممارسة ضغوط على الرئيس المكلف لتسريع التأليف وأوراقه محدودة، فلا سحب التكليف ممكن دستوريا ولا تحديد مهل وسقوف زمنية للتأليف.
ولا البديل عن الحريري متوافر في الوقت الحاضر لعدة أسباب: الانتخابات التي كرست موقعه في زعامة وصدارة الطائفة السنية، الاحتضان السعودي المتجدد بعد إعادة بناء العلاقة معها، الوضع الاقتصادي المالي المرتبط في جزء منه ببقاء الحريري في الحكم ربطا بمسار ونتائج مؤتمر «سيدر» وموقف المجتمع الدولي.
تأخر الحكومة صار مؤذيا للجميع ولثلاثة أطراف أساسية: لرئيس الجمهورية الذي بدأت الأزمة تصيب مصداقية عهده ورصيده وقوته. والرئيس المكلف الذي يبني خطته للحكم في المرحلة المقبلة على مؤتمر «سيدر» الذي بات مهددا.
وحزب الله الذي يرغب في رؤية حكومة جديدة تستبق التطورات والضغوط الآتية وتوفر له الحماية والتغطية، وهو يعرف أن ما يمكن تمريره و«تأليفه» اليوم سيصبح أصعب في المستقبل القريب في ظل منحى المواجهة والتأزم السائد في المنطقة.
التأخير الحاصل يعود في رأي البعض الى «عقد داخلية» يحددها رئيس حزب القوات اللبنانية د.سمير جعجع في مقاربة الحصص والأحجام من جانب الوزير جبران باسيل، إن لجهة محاولة تحجيم القوات والاشتراكي، أو لجهة احتساب حصته مرتين من خلال احتساب حصة لرئيس الجمهورية مضافة الى حصة تكتل «لبنان القوي» الذي هو تكتل العهد. وأما الرئيس الحريري، فإنه يرى العقدة الداخلية متمثلة في مطالبة باسيل بالثلث المعطل (١١ وزيرا).
وأما الرئيس ميشال عون، فإنه بات يرى في طريقة تعاطي الحريري مع الموضوع الحكومي جزءا من مشكلة التأليف. فالرئيس المكلف يتصرف من خلفية أن مهلة التأليف مفتوحة، وحتى الآن لم يسلم رئيس الجمهورية أي مسودة حكومية ولم يغادر مربع الحصص والأحجام.
كما أن الحريري، وإضافة الى تبنيه شروط جنبلاط وجعجع وسعيه الى إبعاد خصومه في الساحة السنية، رفع السقف عاليا في ما خص العلاقة مع سورية، الى حد الربط بين تشكيل الحكومة وحصوله على ضمانات بعدم التطبيع مع دمشق.
وفي وقت تكاد الانتقادات الرئاسية بحق الحريري أن تصل ضمنا الى حد اتهامه بالانقلاب على التسوية التي تقضي بتوافق عون والحريري حتى نهاية العهد، فإن الاتهام السياسي الموجه الى جعجع من قبل التيار الوطني الحر هو أكثر وضوحا وخطورة، والتهمة هي أن جعجع ينفذ مع جنبلاط، وفي ظل عجز الحريري، اعتقالا خارجيا للحكومة، وأنه مكلف شخصيا بضرب العهد وإضعاف رئيس الجمهورية.
إذا كانت درجة الضغوط على الحريري ترتفع، بعدما أعطي الوقت الذي يحتاجه للتفاوض من دون أن يسجل أي خرق وتقدم، فإن حزب الله ليس بعيدا عن تحميل الحريري مسؤولية التأخير بسبب تدخلات خارجية.
وترى أوساطه ان ثمة حاجزا يحول دون التأليف، وهو أن نتائج الانتخابات التي منحت الأكثرية للفريق المتحالف مع حزب الله، والتي يريد طرف داخلي له امتدادات خارجية، أن يعطل مفعول هذه النتائج بشتى الوسائل، سواء باحتكار التمثيل والمعاندة فيه، أو بمحاولة اختراع معايير للتوزير مناقضة لتلك التي أفرزتها الانتخابات، الأمر الذي وضع الحريري في إحراج قد يحمله على تجاوز التسوية الرئاسية، في ما يبدو أنه أسر جديد له، ولكن هذه المرة داخل بلده.
يضاف الى ذلك رهان متجدد على تطورات خارجية تسمح بفرض قواعد لعبة جديدة على الساحة اللبنانية.
حزب الله صار ميالا الى تأكيد شبهة التدخل الخارجي استنادا الى ما يسمعه من شروط عن العلاقات اللبنانية السورية، وتهويل بالمحكمة الدولية، وتحجج بخروج حزب الله عن سياسة النأي بالنفس.