Site icon IMLebanon

حزب الله” يُخلي القرى السورية

كتب ايليا ج. مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:

بعد سبعة أعوام من الحرب لتغيير النظام في سورية، انتقل الهدف نحو «حزب الله» اللبناني، ولكن ماذا يستطيع أعداء هذا التنظيم أن يُنْجِزوا في محاولتهم المستقبلية؟

خرج الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله مؤكداً أن التنظيم الذي يقوده «أقوى من الجيش الاسرائيلي» لتردّ عليه تل أبيب بإخراج معلومات عن تدريبات للجيش الاسرائيلي حضرها رئيس الأركان غازي اينزنكوت تُحاكي الحرب على الحزب.

وكذلك أخرجتْ إسرائيل من جعبتها صوراً من الجو عن مجسماتٍ تحاكي قرى جرى بناؤها في إسرائيل على شكل قرى في جنوب لبنان تمت الإشارة إليها «كقرى حزب الله» لتقول اسرائيل إنها لا تميّز بين القرى المسكونة من المدنيين الجنوبيين اللبنانيين وبين الحزب.

لكن التهويل الاسرائيلي ليس غريباً على نصرالله الذي يملك فريقاً خاصاً به لترجمة وجمْع المعلومات والأخبار ووسائل الاعلام المفتوحة المصدر (Open source) بغض النظر عن استخباراته ومصادره الخاصة. ومن هذه الأخبار تقرير نُشر عن أبحاث أجراها الميجور جنرال الاحتياطي يتسحاق بريك، مفوض قوات «جيش الدفاع الاسرائيلي» لحقوق الجنود. وفيه يتحدّث بريك مع عدد كبير من الضباط الذين يصفون الجيش الاسرائيلي بأنه قوة متواضعة تعاني الضغط الزائد والإرهاق والتي لا تملك أي تحفيزٍ للقتال، وأن المسؤولين يبيعون صورة زائفة لا تتوافق مع الواقع، وأن الجيش غير مستعدّ للحرب. وهذا ما أكده الرئيس السابق للخدمات الخاصة الاسرائيلية يعقوب قديمي الذي قال إن «المجتمع ليس على استعداد لمنْح أيّ امتيازاتٍ خاصة للجيش الذي لم يعد يعطي كل ما يريده».

وما عناه نصرالله في قوله ان منظمته «أقوى من الجيش الاسرائيلي» ليس لأنه يملك سلاح جو أفضل من إسرائيل، إذ إنه لا يملك أي طائرة بطبيعة الحال ولا يتلقى من إيران المليارات كالتي تحصل عليها اسرائيل ولا الدعم اللامحدود من الجيش الأميركي«المستعدّ للموت من اجل اسرائيل». بل يعتمد الأمين العام لـ «حزب الله» على مجموعة من الشباب والخبراء الذين يتمتعون بعقيدة مؤمنة وإرادة قتالية ولا يرغب هؤلاء بالموت ولكنهم لا يخافونه، وفقاً لمصادر مطلعة.

وقد أثبت «حزب الله» عن جدارته القتالية ضدّ تنظيم «داعش» في لبنان وسورية وكذلك ضدّ «القاعدة» والتنظيمات الأخرى. وهو لم يَخْسَر معركة خاضها ما عدا معركة واحدة في تلة العيس بسبب عدم التنسيق بين قوات الحلفاء، إذ كان من ضمن الخطة احتلال التلال حول مدينة العيس التي دخلها الحزب وحرّرها، ليجد نفسه تحت نيرانٍ عدوة من التلال المحيطة بالمدينة بسبب تراجع حلفائه عن القتال. وهذا ما تسبب بمقتل نحو 28 من «حزب الله» من الوحدات الخاصة الذين لا تزال أجسادهم مدفونة في الموقع نفسه. لكن هذا التفصيل العسكري لم يؤثّر على أداء الحزب الذي استطاع، بالعمل مع جيوشٍ كلاسيكية (سورية وروسية)، استرداد مساحة أكبر من لبنان بـ 14 مرة على الأقل.

وثبّت هذا الحزب علاقته مع سورية التي رفض رئيسُها بشار الأسد عرضاً بإعادة إعمار ما دمّرتْه الحرب وتثبيته رئيساً للبلاد – مع دعم أميركي لذلك – إذا تخلى عن قضية فلسطين وعن «حزب الله». وقد رفض الأسد العرض السخي لأن تجربة الحرب علّمتْه أن حلفاءه العقائديين أفضل من أغنى الدول قاطبة لأنهم لم ولن يتخلّوا عنه، ولا أطماع لهم في سورية سوى تثبيت الحكومة السورية.

وعلمت «الراي» أن «حزب الله» أعطى أوامره بإخلاء كل المدن والقرى السورية من أي وجود عسكري، لعدم حاجة الدولة السورية لهذه القوة بعدما بَسَطَ الجيش سيطرته على كامل الجغرافيا السورية، ما عدا الشمال الذي يتحضّر له.

وبالتالي، فإن «حزب الله» يركّز كل اهتمامه العسكري اليوم على الحدود مع إسرائيل، لأنه يعمل وكأن الحرب واقعة غداً أو لن تقع أبداً.

وهنا بدأتْ تَظهر في الإعلام مقالاتٌ تطالب «الغرب بالاستيقاظ» لأن «حزب الله يتمدّد إلى أوروبا ويتاجر بالمخدرات لتأمين موارد له بعد الضغط الذي تتعرّض له طهران التي تعاني لتمويله».

وهذا بالطبع دليل على جهْل الإعلام الغربي بتفكير «حزب الله» وطبيعة عمله وتمويله وأهدافه. فـ «حزب الله» أقوى من الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية مجتمعةً، لكنه لن يفكّر يوماً بالاستيلاء والسيطرة والتحكم بلبنان لأسباب عدة لا علاقة لها بالقدرة القتالية المتفوّقة لديه. والحزب يعلم أن لبنان بلد متعدّد الطوائف (18 طائفة) وأن«جمهورية إسلامية» غير ممكنة التحقيق لأن ظروفها غير متوافرة. وكذلك لا يريد «حزب الله» الاهتمام بمتطلبات الدولة والشعب اللبناني لأنه لا يملك مقتدرات الدولة لإدارتها ولا موارد في لبنان – كما في دول أخرى – ولا ثروات تمكّنه من عزْل نفسه عن العالم وتمويل نفسه بنفسه.

لقد دفع «حزب الله» بوزير داخليةٍ خصْم سياسي له وصديق لألد أعدائه السياسيين لأنه لا يريد أن يُمْسِك الأمن الداخلي ولا يريد أن يُتهم بالفساد ولا بغض النظر عن الرشاوى وكل ما يحصل في أي دولة. وتوضح المصادر أن «حزب الله» يؤمن استمراريته إلى ما لا نهاية فقط لأنه يعتمد على الشعب وبالأخص الشيعة في لبنان الذين يشكلون بيئته الحاضنة.

وتضيف:«لقد أهملت الدولة اللبنانية، منذ 1945، الطائفة الشيعية التي عاشت أسوأ من المخيمات الفلسطينية لعشرات السنوات. وعندما سنحتْ الفرصة لحمل السلاح والتدريب والقتال في وجه إسرائيل أولاً وتحرير الأرض اللبنانية ثانياً ومساعدة (محور المقاومة) ثالثاً، أدرك الشيعة في لبنان والدول المحيطة قوّتهم التي لن يتخلّوا عنها مهما حصل ومهما كبر الحظر عليهم من الداخل والخارج».

وتلفت إلى أن «حزب الله» يوظّف اليوم عشرات الآلاف الذين يساهمون في الاقتصاد اللبناني إيجاباً. ومهما كبر خطر اسرائيل أو تهديد الدول المحيطة بلبنان أو دول الغرب، فلن يتخلى هؤلاء بعد اليوم عمّن أعطاهم القوة ليعيشوا بكرامتهم مع اللبنانيين الآخرين من دون أن يشار إليهم أو يُعامَلوا بالذلّ.

وتشير المصادر إلى أن عشرات الآلاف العاملين في صفوف «حزب الله» لم يحضروا إلى لبنان من دولة أخرى بل هم من أهل البلد، أهل الضاحية الجنوبية وبيروت وجبيل وصيدا وصور والبقاع وبعلبك والهرمل وكل المناطق اللبنانية. وتالياً، فإن مَن يطالب بإلغاء «حزب الله»، لا يعلم أنه يطالب بإلغاء طائفة (أو على الأقل العدد الأكبر من هذه الطائفة) من لبنان.

وقد قال زعيم «القاعدة» ايمن الظواهري في رسالة إلى «أبو مصعب الزرقاوي» عندما أصبح يستهدف الشيعة بدل أميركا في أول سنوات الاحتلال الأميركي للعراق: «هل استطاع أحد القضاء على الشيعة منذ أيام الإسلام الأولى؟ عليك بأميركا فقط».