كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: يكثر حديث في الأوساط السياسية والإعلامية في لبنان عن بروز ما يعتبره البعض “عقدة إضافية” ويراها آخرون “ذريعة جديدة”، إلى جانب عقد توزيع الحصص الوزارية بين الأحزاب، ويأتي ذلك على وقع اتصالات مستمرة بين الفرقاء السياسيين بهدف تشكيل حكومة جديدة.
وتتمثل هذه “العقدة” أو “الذريعة” في حديث أطراف في قوى 8 آذار الموالية لسوريا وإيران عن ضرورة التطبيع مع النظام السوري في المرحلة المقبلة، فيما يصر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وفريق 14 آذار على رفض أي نوع من التطبيع مع بشار الأسد ونظامه.
وقال الحريري المكلف بتشكيل الحكومة منذ 24 ايار الماضي، معبرا عن هذا الرفض في تصريحات صحافية مؤخرا، إن “عودة العلاقات مع النظام السوري أمر لا نقاش فيه”.
وهو ما رد عليه حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني حليف النظام السوري، بأنه على “البعض من القيادات السياسية ألا تلزم نفسها بمواقف قد تتراجع عنها”.
وتوترت العلاقات بين لبنان وسوريا بعد اتهام الحريري النظام السوري باغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، عبر تفجير بالعاصمة بيروت في 14 شباط 2005.
وبشكل تام، انقطعت العلاقات بين الجارتين عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية والحرب في سوريا عام 2011 حيث توقف الاتصال بين الحكومتين ما عدا وزراء حزب الله وحركة أمل.
ووفق رئيس حركة التغيير، إيلي محفوض، فإن “النظام السوري يبحث عن رافعة تعيده إلى منظومة الشرعية الدولية”. وتابع أن هذا النظام “يحاول عبر حلفائه في لبنان، وفي مقدمتهم حزب الله، استعادة الدور السوري والحضور، عبر السعي الدؤوب لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد”.
وشدد محفوض على أن “الحريري لن يقبل بأي شكل من الأشكال بالتطبيع مع سوريا، وتحديدا مع الأسد”. وأردف أن “ضغوطا تمارس على الحريري من الجماعات الموالية للنظام السوري، ولن تتوانى عن عرقلة تشكيل الحكومة ما لم تنل مسألة التطبيع، التي أطلق صفارتها حسن نصرالله”.
ورأى أن “أي مسايرة أو مهادنة أو تراخ من الحريري ستؤسس لحكومة عوجاء عرجاء، محكومة غير حاكمة، ممسوكة غير ماسكة، وهذه حقائق يعلمها الحريري، وهو على بينة من المساعي السورية وحليفها حزب الله”.
وذهب إلى أن “الضغوط والتضييق والعزل أحيانا، التي تمارس على حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي لا تهدف إلى تقليص حضورهما في الحكومة، بل محاصرة خصوم الأسد اللبنانيين، وتحجيم دورهم وحضورهم، وبالتالي إضعاف حركتهم السياسية”. واعتبر أن “الهدف الثاني هو دخول الحريري إلى مجلس وزراء ضعيف، خاصة من خلال تجريده من أسلحته القوية داخل مجلس الوزراء، والتي تتمثل بحضور وازن لحليفي الحريري، أي القوات والاشتراكي”.
التطبيع مع النظام السوري يعني نسف جهود عودة لبنان إلى الساحة الدولية وإمكانية حصوله على المساعدات والاستثمارات، وبالتالي أي تطبيع يعني خسائر للبنان وعلى أكثر من مستوى
وأردف محفوض أنه “من الواضح أن إثارة مسألة تطبيع العلاقات مع سوريا تهدف إلى إضعاف الحريري، والقبض على مفاصل السلطة في لبنان من خلال الإمساك بطاولة القرار، أي مجلس الوزراء”.
وفي ما يتعلق بما إذا كانت مسألة التطبيع ستطيح بإمكانية ولادة الحكومة، يعتبر محفوض أن “هذا الملف دقيق وحسّاس ولا تهاون فيه على الإطلاق”.
وحذر من أن التطبيع “يعني نسف كل جهود عودة لبنان إلى الساحة الدولية، ونسف أي إمكانية للحصول على هبات ومساعدات واستثمارات يحتاجها لبنان، وبالتالي أي تطبيع يعني خسائر جمة للبنان وعلى أكثر من مستوى”.
وعلى الجانب الآخر من المشهد السياسي في لبنان، قال الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبدالستار، القريب من حزب الله، إن “قول الحريري إنه لن تكون هناك حكومة تطبّع العلاقات مع سوريا هدفه الأساسي هو القول إن ذريعة جديدة أضيفت إلى الذرائع التي تؤخر تشكيل الحكومة”.
ومضى قائلا إن “الأمور تتجه إلى التصعيد، والدستور لم يحدد مهلة لرئيس الحكومة ليؤلف حكومة جديدة”. واعتبر الكاتب اللبناني أن “التطبيع مع سوريا استحقاق لا بد أنه قادم، ورئيس الحكومة المكلف لا يحق له مصادرة القرار السياسي للبلد، ولا يحق له التصريح في هذا الشأن، فهذا قرار تتخذه الحكومة ككل”.
وختم عبدالستار بأن “الحريري يعرف أن بند عودة العلاقات مع سوريا إلى ما كانت عليه في السابق، سيكون في البيان الوزاري لحكومته، خصوصا وأن على الحكومة الجديدة أن تحل كل ما كان عالقا بين البلدين”.
ويوفر حلفاء حزب الله وعلى رأسهم الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري غطاء لاستمرار تدخل حزب الله في الأزمة السورية، وهو ما يقوّض سياسة النأي بالنفس التي تهدف إلى إبقاء لبنان بعيدا عن الصراعات الإقليمية.