كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:
أقفل الشهر الثالث على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، على مزيد من التعقيدات التي تؤخر ولادة حكومته الثالثة، في وقت شددت مصادر القصر الجمهوري على ضرورة الخروج من الجمود، وإيجاد الحلول لأزمة الحكومة خلال شهر (سبتمبر (أيلول) المقبل، لملاقاة الاستحقاقات والمؤتمرات التي سيشارك فيها لبنان، بخيارات سيلجأ إليها الرئيس ميشال عون قريباً.
وتترقب الأوساط السياسية عودة رئيس الحكومة إلى لبنان من عطلته التي أمضاها في الخارج، لطرح أفكار جديدة، تشكل مدخلاً للمعضلة الحكومية، إلا أن مصادر مقربة من الحريري كشفت لـ«الشرق الأوسط» أنه يراهن على تفهم كل الأطراف دقة المرحلة، وحاجة البلاد لحكومة تطلق المشاريع الاقتصادية والإصلاحية المطلوبة للنهوض بالبلاد». وقالت: «المطلوب من كل الأطراف أن تتراجع عن شروطها، وهذه مسؤولية الجميع وليست مسؤولية سعد الحريري وحده».
وأمام تصلب القوى السياسية في شروطها، أكدت المصادر المقربة من الحريري أنه «لا أحد قادر على إلغاء الآخر، والمطلوب من الجميع تقديم تنازلات، إذ من غير الممكن تكبير حجم الحكومة الجديدة لتلبية كل الطلبات، ولا تصغيرها لإقصاء البعض، والمهم أن تكون هناك حكومة شبيهة بحكومة تصريف الأعمال». ورأت أن «ثمة تمييزاً بين المواقف العلنية العالية السقف، والمواقف التفاوضية التي تتطلب مرونة وواقعية، طالما أن الوضع لم يعد يحتمل التأخير والمماطلة».
وفي موازاة الجهود التي يبذلها الحريري ثمة ترقب لخطوات قد يلجأ إليها رئيس الجمهورية في الأيام المقبلة، وأوضحت مصادر القصر الجمهوري لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس عون «حدد مطلع شهر (سبتمبر) موعداً لتحريك ملف الحكومة بعد انتهاء العطل والأعياد التي مرت».
وقالت: «شهر أغسطس (آب) كان شهر الأعياد والاحتفالات، أما شهر (سبتمبر) فسيكون شهر الاستحقاقات». ولفتت إلى أن «مواقف الأطراف باتت معروفة من موضوع الحكومة، ولا أحد يرغب في تخفيف مطالبه، فهل يبقى رئيس الجمهورية متفرجاً؟»، مؤكدة أنه «ابتداء من مطلع ستكون هناك مقاربة جديدة لموضوع الحكومة، حيث سيطلع رئيس الجمهورية من الرئيس المكلف على آخر المستجدات، وإذا ما أيقن أن الأمور وصلت إلى حائط مسدود غير قابل للاختراق، عندها سيصارح اللبنانيين بأسباب تعطيل تأليف الحكومة، ومن ثم يطرح الخيارات التي لديه».
وتكثر التكهنات حول ماهية الخطوات التي سيلجأ إليها عون، ومطابقتها للنص الدستوري الذي لم يلحظ مهلة محددة لتأليف الحكومة، وكشفت مصادر قصر بعبدا، أن «من بين هذه الخيارات مخاطبة مجلس النواب واطلاعه على ما يحصل، وبحث ما يمكن فعله، والنظر بإمكان اللجوء إلى طرح آخر». وأعلنت أن «الخيارات التي يلوح بها رئيس الجمهورية لا تعني الانتقاص من دور وموقع الرئيس المكلف، ولا سحب التكليف في غياب نص دستوري». وقالت: «الرئيس عون ليس في وارد الصدام مع الرئيس الحريري، بل يرغب بمساعدته على الخروج من حالة الجمود القائمة».
وعن التفسير السياسي لمخاطبة مجلس النواب، وما إذا كان تلويحاً أو تلميحاً لدعوة البرلمان لسحب التكليف، شددت مصادر قصر بعبدا على أن «الرسالة هي لحث الكتل النيابية على التخفيف من تعقيداتها، وإعادة النظر بمواقفها، وعرض الواقع الذي تعيشه البلاد»، موضحة أن «الرئيس عون يطرح خيارات وليس قرارات». وأضافت: «نحن مقبلون على استحقاقات مهمة تفترض وجود حكومة، بدءاً من اجتماع البرلمان الأوروبي الذي سيحضره لبنان، واجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة والقمة الفرنكوفونية، ناهيك بالوضع الإقليمي الذي يفرض جهوزية وقرارات تتخذها الحكومة».
ويسود الاعتقاد أن مشاورات الحريري الجديدة قد لا تحقق اختراقاً في ظل الشروط والشروط المقابلة، وهو ما أشار إليه عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش الذي استبعد أي اختراق في الأزمة الحكومية، وأشار في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن رئيس الحكومة المكلف «عازم على تقديم طروحات تخرج الحكومة من عنق الزجاجة، ومهمته لا تعترف بالاستسلام والركون إلى العجز، طالما أنه قادر على التواصل مع الجميع وطرح نقاشات موضوعية تنقذ البلاد».