لا يعكس الهدوء الذي طبع خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، في الذكرى الأولى للتحرير الثاني في الهرمل، حجم القلق الذي يساوره جراء عدم تشكيل “حكومة العهد الأولى” حتى الساعة. فالحزب، بحسب ما تؤكد أوساط سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، هو صاحب المصلحة الأكبر راهنا في تشكيل سريع يقيه رياح التقلبات في المشهد الإقليمي والتسويات الدولية، التي مهما قيل في شأنها، لن ترسو في أي شكل في الميناء الذي يخدم مصالحه والمحور الذي ينتمي اليه.
على هذه الخلفية، جاء موقف نصرالله بالدعوة إلى رمي كرة الملفات السجالية إلى ما بعد تشكيل الحكومة، وتحديدا التطبيع مع سوريا الذي كاد يشعل أزمة سياسية كبيرة في البلاد الأسبوع الماضي، فهو، كما تعتبر الأوساط، يسعى من جهة إلى إزالة المطبات التي تعوق طريق التأليف من دون أن يقدم على خطوات عملية في اتجاه القوى السياسية التي له “مونة عليها”، ويضع من جهة ثانية في سوق التداول ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، محذرا مما اعتبره “اللعب بالنار”.
وتتساءل الأوساط هنا باستغراب عن إقحام المحكمة في ملف التشكيل وأسباب الربط بينهما، علما أن أحدا من المحور المناهض لـ”حزب الله” لم يقدم على هذا الربط. وقالت إذا كان “السيد” يستبق التطورات ويحاول إقناع اللبنانيين بالتخلي عن المحكمة بعد طول انتظار، فمحاولته لن يكتب لها النجاح وهو أكثر العارفين بذلك، إلا أن إثارة الموضوع في هذا الوقت بالذات ليس له سوى تفسير واحد يتمثل باستباق نتائج ما قد يصدر في ضوء مرافعات ومذاكرات المحكمة بمحاولة التشويش عليها واستعادة نغمة عدم الاعتراف بها، كما قال صراحة، خشية إعادة إحياء التفاصيل المتعلقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري بما تعني هذه الإعادة.
وإلى هذا الملف، ترى الأوساط أن مجمل المستجدات، إن في الداخل أو تلك المتأتية من خارج الحدود، تدفع الحزب إلى تثبيت رجليه في السلطة عموما وداخل الحكومة خصوصا، حتى متى ضربت عواصف التسويات التي ستحمله على الانسحاب من ساحات القتال الخارجية في اليمن والعراق وسوريا، تكون عودته إلى الداخل محصنّة رسميا ومدججة بما يكفي من سلاح سياسي يكفل مواجهة مسار العقوبات المفروض عليه مباشرة وعلى إيران، وقد شكل الطبق الأساس على مائدة لقاءات الوفد الاميركي الذي زار بيروت برئاسة مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن الدولي روبرت ستوري كارِم. وتردد أنه طلب من الرئيس ميشال عون موقفا رسميا إزاء تأييد العقوبات الأميركية على طهران على غرار ما فعل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي أعلن التزام بلاده تنفيذ العقوبات، إلا أن رئيس الجمهورية رفض إطلاق أي موقف في هذا الاتجاه.
لكن الموقف من العقوبات على إيران قابله تجديد عون موقفه إزاء الاستراتيجية الدفاعية ووجوب وضعها على طاولة الحوار بعد تشكيل الحكومة، علما أنه كان أشار في موقف سابق إلى أنها ستبحث بعد الانتخابات النيابية. وفي مطلق الأحوال، تضيف الأوساط، أن “الاستراتيجية” آتية لا محالة وسلاح “حزب الله” سيخضع في نهاية المطاف للمعايير التي خضعت لها سائر الأسلحة من خارج الشرعية، والأولى بالحزب عاجلا أم آجلا الانخراط في الدولة وتثبيت موقعه السياسي حكوميا، وهو ما يسعى إليه السيد نصرالله، كونه أكثر المدركين باتجاه رياح التسويات الإقليمية والدولية.