Site icon IMLebanon

رئيس “برازافيل” جان إيف أوليفييه: يجب صنع السلام بين الجهات على الأرض

كتب فرانسوا سودان وجهاد جيون في صحيفة “الجمهورية”:

إذا كان تكاثر الوسطاء الدوليين، كفرنسا وإيطاليا والمغرب والجزائر … يعزّز الخيارات المنافسة، فإنّ أوليفييه يريد في المقابل إعادة مصير البلد إلى أيدي الأطراف المهتمّة.

تاجر مواد أولية ومفاوض من أجل السّلام، قرّر وضع موهبته كرجل أعمال في خدمة الوساطة السياسية. وبدون تفويض رسمي، في ظلّ الدبلوماسية الموازية، نظر هذا المقرّب القديم من جاك شيراك ونيلسون مانديلا وصديق عدد من رؤساء الدول الافريقية، في ملفّات عدّة حسّاسة منذ عام 1980: نظام الفصل العنصري «الأبارتايد»، والحروب الأهلية في أنغولا وجنوب السودان، وإطلاق الرهائن الفرنسيين في لبنان. أحرز نوعاً من النجاح. عمره 74عاماً وهو يعمل الان في الوساطة بين العديد من العناصر الفاعلة في الأزمة الليبية من خلال مؤسّسته «برازافيل» التي نظمّت أوّل اجتماع بين الليبيين في أيار في داكار سُمّي «داكار 1». ومن المقرّر إجراء جلسة ثانية تحت اسم «داكار 2 «، في نهاية شهر تشرين الأوّل في العاصمة السينيغالية أيضاً. يتحدّث لـصحيفة «جون أفريق» عن مزالق الملفّ الليبي، إضافة إلى ما يدفعه إلى الأمل على الرغم من كل شيء.

جان إيف أوليفييه: إنّ مؤسّسة «برازافيل» هي جمعية أسّستها وأترأسها ويساعدني أعضاء المجلس. تتكوّن الجمعيّة من شخصيات مختلفة تعمل لصالح السّلام. نحن لسنا هنا لصنع السّلام، ولكن لتسهيل السلام وخلق الظروف لإنشاء سلام دائم وجدّي.

لقد ساهمت بإنهاء نظام «الأبارتايد»، ولكنّني لم أقم بأعمال أبداً في جنوب افريقيا منذ اليوم الذي حُرّر فيه مانديلا. ودوافعي بسيطة: أنا أحب ما أفعله وإذا كان بإمكاني خلق شروط لإحلال السلام، أشعر بأنّه يتوجّب علي القيام بذلك. وأنا أقوم بذلك مع شعور كبير بالارتياح وهذا يكفيني تماماً. ومع ذلك، إذا تقدّمت الفرص غداً في ليبيا، فلماذا أتنازل عنها؟

أوّلاً، تمّ تحديد جدول الأعمال من قبل المجتمعين. وهدفنا محاولة تحقيق المصالحة بين الليبيين على مبادئ أساسية التزم بها جميع الذين شاركوا في «داكار 1» وهي: دولة واحدة وحكومة مدنية وجيش يستجيب للحكومة المدنية وجهاز قضائي مستقلّ وانتخابات. لذلك، لا بدّ من حوار مفتوح يخلو من العداوة بين الليبيين. يجب وضع الماضي جانباً للتطلّع إلى المستقبل.

في هذا النوع من الاجتماعات تُحدّد نقاط التقارب وتوضع نقاط الاختلاف جانباً. انتُقد هذا الاجتماع بشدّة من قبل مناصري الطرفين، لكنّه سمح بالاتفاق على المبادئ التي استُند إليها في «داكار 1». فطلبت منهم مساعدتي في تنظيم اجتماع للجهات الليبية في أفريقيا. وكان بلحاج وصالح المحركين الأوّلين لداكار.

من الواضح أنّ اللواء هو أحد الأشخاص الذين يجب الاعتماد عليهم من أجل صنع السلام. لكنّ مؤسستنا لا تستطيع تقييم تمثيل ليبي مقابل آخر، فالأمر لا يعود إلينا. إنّ اللواء ليبيٌّ ويمثّل جزءاً من الرأي الليبي وله الحقّ في المشاركة في «داكار 2»، ونحن دعوناه. ولكن لا أكثر ولا أقلّ من بلحاج سيف الإسلام القذافي أو غيرهما.

أنا لست قذافيّاً، أنا أعتبر ببساطة أنّه لا يمكننا تجاهل أولئك الذين يطلق عليهم اسم القذافيين في المعادلة الليبية. جميعهم لديهم الحقّ في إسماع أصواتهم، حتى أولئك الذين كانوا قذافيين. لا يجب إسكاتهم كما في الصخيرات. إستعادة سيف الإسلام كامل قدرته على العمل، وهذا ما أتمنّاه، رمز للمصالحة بالفعل.

يجسدّها أوّلاً المنفيون الذين فروا من البلاد خوفاً من القمع. ويُقدّر عددهم بمئات الآلاف، ولكن أيضاً المنفيون داخلياً الذين ذهبوا بحثاً عن ملجأ لدى القبائل. ويُمثّلها أيضاً الذين يشعرون بالحنين إلى الماضي، في بلد يعرف نقصاً في المياه والكهرباء وتسود فيه حال انعدام الأمن. أمّا الّذين ناضلوا ضدّ القذافي، فهم يعترفون جميعاً بأنّه، على الرغم من كل شيء، قد ترك القذّافي إرثاً يمكن الاعتماد عليه في المستقبل.

كان «داكار 1» إثباتاً أنّ الليبيين من مختلف الانتماءات السياسية يمكنهم الجلوس حول الطاولة نفسها. صحيح أنّه غاب أشخاص مهمّون، لكنّ حفتر أرسل مندوبَين غادرا لأنّهما لا يريدان الجلوس مع بعض الشخصيات. لديّ اليوم مؤشّرات تجعلني أتفاءل بشأن مشاركته في «داكار 2». كان «داكار 1» ناجحاً ويُعتبر خطوة نحو «داكار 2»، الذي سيكون هو أيضاً مرحلة. لن يدّعي «داكار 2» حلّ المشكلة الليبية نهائياً، لكنّنا نحرز تقدّماً.

في رأيي، إنّ أكثر منهجيّة تتّسم بالمسؤولية تنطوي على التأجيل كما في إسبانيا وتشيلي: تُؤجّل محاكمة مختلف الأطراف إلى 20 عاماً، ما يساعد في تهدئة القلوب. في التقاليد الليبيّة، تتفهّم القبائل التأجيل فلماذا لا يعتمدونه؟ أنا أرى أنّ هذا النظام مثير للاهتمام، لكنّ هيئة إنصاف ومصالحة، كما هو الحال في جنوب أفريقيا، لن تجدي نفعاً في ليبيا.

كل ما يجعلنا نتقدّم على طريق السلام يكون في الاتجاه الصحيح. إنّ الرئيس ماكرون يعمل من أجل ذلك على مستوى المؤسّسات. ولكن بالنّسبة إليّ، يجب صنع السّلام بين الليبيين على الأرض، وليس مع المنظمات التي يتمّ إنشاؤها بواسطة اتفاقات دولية وحسب.

هل أخذ هؤلاء الذين ساعدوا فايز السراج ليصبح رئيساً للحكومة بعين الاعتبار كلّ أنحاء الساحة السياسية الليبية؟ وهؤلاء الليبيون الذين لم يُعطوا حتى الفرصة للتعبير عن رأيهم، لما عليهم أن يدعموا شخصاً لم يُستشاروا بشأن تعيينه؟ يجب ألا ننسى أنّ ليبيا مؤلّفة من قبائل ومدن، فتجاهل هذه العوامل، والرغبة في فرض حكم لا ينبثق من هذه المعطيات الأساسيّة يؤدّي إلى الفشل.

ترأس ديني ساسو نغيسو مجموعة الاتحاد الافريقي التي ذهبت للتفاوض مع القذافي في عام 2011، ولكن كان الأوان قد فات.
فالخطيئة الأصلية التي ارتكبتها أفريقيا، وفي هذه الحالة جنوب أفريقيا، هي أنّ صوتها في مجلس الأمن قد سمح لقوات أجنبية بغزو بلد أفريقي. وكانت مبادرتنا التعويض عن هذا الخطأ الخطير جدّاً. يشعر الاتحاد الافريقي أنّه مسؤول عن هذا الخطأ ويريد المساهمة في تحقيق السلام في ليبيا تماشياً مع المؤسسة. سوف يساعد عملي، ويرافق الاتحاد الافريقي في المراحل الأولى لمؤتمر السلام الذي ينوي الاتحاد تنظيمه.

المشكلة الليبية تتكوّن من مصالح دول معيّنة. لا يسعى هؤلاء بالضرورة إلى إيصال أتباعهم إلى السلطة، بل إلى منع البعض من الوصول إليها. وتتعارض نزعتان: يرغب البعض بإرساء ديكتاتورية عسكرية من النوع المصري، ويعتزم البعض الآخر على العكس إنشاء حكومة مدنية يهيمن فيها الإخوان المسلمون. هناك أيضاً مشكلة الهجرة ومشكلة الإرهاب اللتان تقلقان كلّ دول المنطقة. وتدافع إيطاليا وفرنسا من جهتهما عن مصالحهما الاقتصادية المحتملة: فمن المفترض أن تكون ورشة إعادة إعمار ليبيا أهمّ ورشة في العالم، ناهيك عن مسألة الطاقة. تتعدّد إذاً المصالح وفي هذه القضية، نسينا 6 ملايين ليبي لا تُسمع أصواتهم.

ما أسمعه من جميع الجهات حول هذا الموضوع ، هو أنّهما غير واقعيين، ولكن ليس من شأني أن أقول هذا. مشكلتي هي في اتّخاذ الخطوات لجمع الليبيين مرة ثانية. ولا تستهدف مبادرتي أحداً، بل على العكس سوف تسهّل وتواكب عمليّة السلام.