منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة في 24 ايار الفائت، تعرض مسار التأليف لموجة من الهبات الباردة حينا، حيث كان منسوب التفاؤل بقرب ولادة الحكومة يرتفع الى حده الاقصى، والساخنة احيانا مع تعميم مناخات بالغة السلبية استعادت في بعض المراحل لحظات الانقسام العمودي بين القوى السياسية وصولا الى التلويح بإجراءات لم ولن تجد طريقا الى الترجمة، من بينها سحب التكليف.
وبعيد تسريب معلومات عن خطوات سيلجأ اليها العهد وتحديدا رئيس الجمهورية ميشال عون لوضع حدّ لحال الشلل التي اصابت جهود التأليف وضرب مواعيد لها من بينها الاول من ايلول، ما استنفر الاطراف السياسية المؤيدة للحريري، لاسيما السنيّة منها بما فيها تلك المناهضة للرئيس المكلف التي رفضت المسّ باتفاق الطائف او محاولة الانقلاب عليه من خلال تجاوز صلاحيات الرئيس المكلف، خرجت بعض وسائل الإعلام بمواقف نقلتها عن الرئيس عون تدحض “التسريبات” وتؤكد تعاون رئيس الجمهورية الى الحدود القصوى مع الحريري وتمسكه بالتسوية وعدم نيته الذهاب في اتجاه سحب التكليف او تحديد مهل، لا بل اعتبر ان مهلة الاربعة او خمسة اشهر لتشكيل الحكومة طبيعية، وانه ينتظر ان يقدم له الحريري تشكيلته.
وتقول اوساط سياسية مطّلعة لـ”المركزية” ان عون سيعرض على الحريري حينما يزور بعبدا في وقت غير بعيد جملة اقتراحات وافكار تحت عنوان “استمرار التفاهم والشراكة” بينهما، وان طروحاته هذه ايجابية. في حين يجري الحريري قبل الزيارة جولة مشاورات سريعة يضع بعدها مسودة صيغة تلتزم ثوابته التشكيلية، حكومة وحدة وطنية ثلاثينية تضم المكونات السياسية وتشكل وفق معيار واحد، يبحثها مع عون الذي وبعد الاتفاق عليها يوقّعها على ان تبدأ آنذاك مهلة الثلاثين يوما لوضع البيان الوزاري.
وفي السياق، تؤكد اوساط في تكتل “لبنان القوي” لـ”المركزية” ألا خلاف شخصيا بين الوزير جبران باسيل والرئيس الحريري الذي يعرف تماما مطالب التكتل ومدى التسهيلات التي قدمها لدفع التشكيل قدما. اما العقبات والعراقيل غير المتوقعة، فنبتت من ارض “الحلفاء” الخصبة، لا من “التيار الوطني الحر”، حيث دفع هؤلاء بملفات خلافية لا علاقة لها بالتشكيل الى واجهة المشهد السياسي، من التطبيع مع سوريا الى المحكمة الدولية وتعديل الطائف، فقط لعرقلة المسار الحكومي، مدعومين من المحور الاقليمي الذي تتزعمه السعودية والتي لا تتناسب مصالحها راهنا مع تشكيل حكومة في لبنان.
وتعتبر الاوساط ان الفريق المعرقل المعروف من اللبنانيين جميعا يتدرج في طروحاته الهادفة الى العرقلة من ملف الى آخر، بدءا من تطبيع العلاقات مع سوريا وقد اضطر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى الدعوة لسحبه من التداول قبل التشكيل، ثم موضوع صلاحيات الرئيس المكلف الذي نسجوا حوله روايات غير واقعية ولا منطقية الى ان تبين لهم ان احدا غير راغب في المس بهذه الصلاحيات وألا اتجاه لحشر الحريري للاعتذار، لاسيما ان “حزب الله” ابلغ من راجعه في هذا الشأن ان الحريري حتى لو اعتذر او تنحى سيعيد الحزب تسميته لان لا بديل منه راهنا، حتى ملف المحكمة الدولية المعروف موقف الحزب منه منذ اللحظة الاولى حاولوا اقحامه في بازار العرقلة فلم يفلحوا.
وإن جلّ ما يفعله هؤلاء، تضيف الاوساط، لا يعدو كونه محاولة هروب الى الامام، فمن هوية الطرف المنتقد والمواضيع الخيالية التي ينسجها تتكشف هوية المعرقل الحقيقي لولادة الحكومة.