Site icon IMLebanon

لماذا تنتج “إسراء سلطان” 54% من قدرتها؟

كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار:

القول المتكرر بضعف قدرة شبكة نقل الكهرباء على استيعاب القدرة الإنتاجية الكاملة للباخرة «إسراء سلطان» البالغة 220 ميغاوات فتح الباب أمام طرح أسئلة بديهية. فقد تبيّن أن الشبكة لا يمكنها استيعاب أكثر من 120 ميغاوات من إنتاج هذه الباخرة بعد ربطها بمعمل الذوق الكسرواني (أي 54% من قدرتها الإنتاجية الكاملة)، فيما تتقلص القدرة الاستيعابية للشبكة إلى أقل من 50 ميغاوات لو ربطت انطلاقاً من معمل الجيّة في ساحل الشوف.

هنا أيضاً يصحّ طرح السؤال حول دوافع وزارة الطاقة خلال السنتين الماضيتين في الدفاع عن مناقصات لتلزيم استقدام معامل إنتاج عائمة على البواخر بقدرة إنتاجية تصل إلى 800 ميغاوات، أي ما يفوق قدرات «إسراء» بأضعاف، إذ كيف كان سيتم ربطها بالشبكة في ظل ضعف القدرات الاستيعابية؟ هل الشبكة قادرة على استيعاب كامل قدرة إنتاج باخرة واحدة بقدرة 400 ميغاوات؟ هل لا تزال هذه القدرة ضعيفة أم جرى تحسينها؟

إزاء هذه الأسئلة، برز تفسيران لما يحصل؛ الأول، مصدره مؤسسة كهرباء لبنان، والثاني، مصدره القطاع الخاص.

وفق مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان، فإن كامل إنتاج باخرة «إسراء» كان يمكن استيعابه لو ربطت على الشبكة في الزهراني، وهذا الأمر يفيد المناطق الجنوبية دون غيرها. كذلك كان يمكن استيعاب كامل قدرة الباخرة «إسراء» لو ربطت على الشبكة انطلاقاً من دير عمار، وهو ما يعني أن مناطق الشمال كانت ستكون المستفيد الأكبر، لكن رسو الباخرة هناك يحتاج إلى إنجاز كاسر للموج. مدّة إنجاز الكاسر طويلة، فيما الاستفادة المجانية من هذه الباخرة مدّتها ثلاثة أشهر وهي مدّة لا تسمح بإنجاز هذا الكاسر، فضلاً عن كلفته الكبيرة.

كذلك تشير مصادر المؤسسة إلى أن مناقصات تلزيم البواخر التي أطلقت خلال السنتين الماضيتين كانت تتضمن أعمالاً تحضيرية وتقنية تتيح الاستفادة الكاملة من القدرات الإنتاجية للمعامل المطلوب إنشاؤها على البحر والبرّ.

التفسير الثاني، بحسب مصادر في القطاع الخاص، يعتبر أن المشكلة لا تتعلق بآلية الربط على الشبكة والأعمال التحضيرية المتصلة بربط معامل جديدة على الشبكة، بمقدار ما تتعلق بقدرة الشبكة على الاستيعاب. فمن المعروف أن شبكة الكهرباء في لبنان ليست شبكة مقفلة، بل هي مفتوحة وينقصها الربط. أهم عنصر في هذا الربط هو وصلة المنصورية التي لم تنجز بعد. ربط الشبكة ببعضها البعض لتصبح شبكة مقفلة لديها مرونة كافية لتوزيع الكهرباء بين المناطق، يتطلب إنجاز هذه الوصلة بشكل أساسي. من دون هذا الإنجاز، فإن ربط أي معمل إنتاج على الشبكة انطلاقاً من دير عمار، سواء كان عائماً أو ثابتاً، لن يستوعب أكثر من 250 ميغاوات إضافية، ما يعني أن تلزيم بواخر بقدرة 400 ميغاوات سيكون فيه نحو 150 ميغاوات هدراً. كما أن ربط أي معمل إنتاج على الشبكة، انطلاقاً من الزهراني، لن يوفّر استيعاب أكثر من 300 ميغاوات كحدّ أقصى، ما يعني أن استئجار بواخر بقدرة 400 ميغاوات فيه نحو 100 ميغاوات هدراً. كلفة هذا الهدر كبيرة جداً.

أما وصلة المنصورية، فهي عبارة عن مشروع قيد التنفيذ منذ 1997، أي منذ 21 سنة. لم تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان ولا وزارة الطاقة من إنجاز هذه الوصلة بسبب خلافات وآراء متناقضة عن الأثر السلبي لهذه الوصلة على صحة الساكنين في المنطقة. في مقابل مطالبة السكان بتمديد الوصلة تحت الأرض، كان هناك إصرار على تمديدها فوق الأرض كما مدّدت كامل شبكة الـ 220 ك. ف. وهكذا تحوّل مشروع وصلة المنصورية إلى عنصر تجاذب سياسي بين تيارات متصارعة على النفوذ الانتخابي في المنطقة. لا بل أصبح في مرحلة من المراحل محور صراع بين أبناء التيار السياسي الواحد.

تقنياً، تعدّ أهمية هذه الوصلة كبيرة. ففي ورقة سياسة القطاع التي أقرّها مجلس الوزراء في عام 2010 حين كان جبران باسيل وزيراً للطاقة، خصّص باب أساسي لتحديث شبكة النقل يرتكز على وصلة المنصورية. من شأن هذه الوصلة إلغاء الاختناقات وخفض الخسائر التقنية وربط معامل الإنتاج بمراكز الطلب باستقرار وكلفة منخفضة. «نظام النقل يبلغ 1427 كلم من خطوط 66، 150، 220، 400 كيلوفولت مع 1920متراً غير مكتملة لسنوات عدة في حلقة الـ 220 كيلوفولت في المنصورية والتي إذا اكتملت سترفع الاستقرار وتخفض الخسائر التقنية 1%». وبحسب الورقة، فإن كلفة هذه الوصلة لا تزيد على مليون دولار ويتطلب تنفيذها كحد أقصى سنة واحدة.

كيف تؤمن هذه الوصلة استقرار الشبكة؟ تجيب مصادر أخرى في مؤسسة كهرباء لبنان بإشارتها إلى الآتي: استعمال هذه الوصلة يتيح تصريف كميات إنتاج إضافية، وخصوصاً مع تنفيذ المُخطّط التوجيهي للإنتاج والنقل، الذي أعدّته مؤسسة كهرباء لبنان بالتعاون مع شركة كهرباء فرنسا EDF، والذي وافق عليه مجلس الوزراء في قراره الرقم 20 تاريخ 7/9/2017. ومن إيجابيات الوصلة أنها مفيدة على صعيد استجرار الطاقة الكهربائية من الدول المُجاورة لجهة زيادة الكميات المستجرة من دول الربط الكهربائي العربي لتصل الى حدود 260 ميغاوات على محول كسارة 400 ك. ف، وزيادة التغذية بالتيار الكهربائي لكل لبنان. كذلك تؤدي هذه الوصلة دوراً رئيسياً في حل مُشكلة تصريف الطاقة الكهربائية من معمل دير عمار الى منطقة جبل لبنان (الشياح وأنطلياس وقسم من بيروت الإدارية)، وذلك عبر نقل حمولة بعض مخارج التوتر المتوسط التي تغذي منطقة جبل لبنان الى محطات الـ 220 ك. ف. (رأس بيروت، المكلس وحالات). وعلى مستوى شبكة التوتر المتوسط في المتن الشمالي، توفّر الوصلة بديلاً لتغذية مخارج التوتر المتوسط في محطة المكلّس الرئيسية عبر محطتي عرمون وبصاليم، ما يؤمن استفادة أفضل لمناطق المتن الشمالي، ولا سيما سنّ الفيل وجسر الباشا والمكلّس والمنصورية حيث يتعذّر تأمين هذه التغذية وسد الحاجات المستقبلية لهذه المناطق، وخصوصاً لجهة المشاريع السكنية والتجارية التي ستنشأ فيها من دون الانتهاء من وصلة المنصورية وتشغيل محطة المكلس بصورة كاملة.

تحديث الشبكة وتأهيلها لاستيعاب الطاقة المنتجة أمر أكثر ضرورة من التناتش بين التيارات السياسية على عمولات تتعلق بتلزيم باخرة من هنا وتلزيم إنشاء معمل على اليابسة من هناك. هذا التناتش لم يؤدّ إلى تضييع أكثر من ثلاث سنوات من دون تعزيز القدرة الإنتاجية فحسب، بل فوّت أيضاً فرصة تعزيز قدرات الشبكة في نقل الكهرباء ومرونتها في التوزيع بين المناطق والأحياء.