كتبت صحيفة “العرب” اللندنية:
زاد الضغط على الرئيس الإيراني حسن روحاني، الثلاثاء، بعد أن استدعاه نواب البرلمان للردّ على تساؤلات بشأن النمو الاقتصادي الضعيف وارتفاع الأسعار وتوسع دائرة الاحتجاجات، إلا أن البرلمان لم يقتنع بردوده وأحال القضية إلى السلطة القضائية.
ويعكس الموقف المتشدد للنواب وأغلبهم من المتشددين، من ردود روحاني على أسئلتهم، وجود توجه عام داخل السلطة لتحميله مسؤولية الفشل وتقديمه كبش فداء للخروج من الأزمة وإنقاذ النظام.
وقال روحاني دفاعا عن أداء حكومته، إن المشكلات الاقتصادية بدأت فقط عندما أعادت واشنطن فرض العقوبات على طهران، إلا أنه وفقا لنتائج التصويت في نهاية الجلسة لم يكن مثل هذا الرد مرضيا للكثير من النواب.
وأضاف أن المظاهرات ضد الحكومة التي اندلعت في أوائل يناير شجعت ترامب على اتخاذ قرار الانسحاب إذ كان يأمل في أن تسفر المشكلات الاقتصادية عن المزيد من الاضطرابات في إيران.
وتضمنت المظاهرات التي اندلعت بسبب المشكلات الاقتصادية وارتفاع الأسعار هتافات ضد الحكومة والمرشد الأعلى علي خامنئي. وانتشرت في أكثر من 80 مدينة وبلدة إيرانية ولقي خلالها 25 شخصا حتفهم.
وشدد روحاني على أن “الاحتجاجات أغرت ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي”، داعيا البرلمان إلى دعم حكومته وعدم زيادة مشاعر الغضب ضدها.
وأضاف “المشكلات الاقتصادية حرجة لكن الأهم من ذلك هو أن الكثيرين فقدوا الثقة في مستقبل الجمهورية الإسلامية ويشككون في قوتها”.
ويرى محللون أن روحاني سعى في ردوده أمام النواب إلى تبرئة ذمته من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران، فضلا عن عزلتها الإقليمية والدولية، وأن هدفه من وراء ذلك قطع الطريق على محاولات عزله وتحميله مسؤولية الفشل من المرشد الأعلى وزعماء التيار المتشدد الذين يسيطرون على مختلف المؤسسات، وخاصة جهاز الحرس الثوري.
ويسعى التيار المتشدد إلى التضحية بروحاني وتحميله مسؤولية الفشل لإقناع الشارع الإيراني، الذي ظهرت عليه علامات التمرد على السلطة، بأن المشكلة ليست في النظام وأفكاره، ولكن في الرئيس الإصلاحي الذي فشل في تطبيقها.
ونجحت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها المتشددون في تصوير الإصلاحيين بأنهم عملاء للغرب، وأن إيمانهم بالثورة ضعيف، وهو ما يسهّل على السلطات التخلص من المسؤولين سواء أكانوا رؤساء أم وزراء أم موظفين سامين، وتحميلهم مسؤولية الفشل و”تبرئة الثورة”.
وكان الهدف من صعود روحاني مغازلة الغرب وإيهامه بأن إيران تتغير وتسير نحو الانفتاح في حين أن مؤسسات الدولة المختلفة، والقطاعات الحساسة وبينها الجيش والحرس الثوري والاقتصاد كلها بيد المرشد علي خامنئي ومساعديه من المحافظين المتشددين.
وأفضى انفتاح روحاني على الغرب إلى نتائج مهمة، لعل أبرزها التوصل إلى الاتفاق النووي في 2015 مع الدول الكبرى، لكن استثمار نتائج الاتفاق في توسيع أنشطة إيران بالمنطقة وتدخلها بشكل مباشر لتغذية النزاعات وزرع أذرع طائفية موالية لها، دفع الولايات المتحدة ودولا إقليمية مثل السعودية إلى التحرك من أجل إعادة النظر في الاتفاق وتضمينه تعهدات إيرانية جديدة بشأن سلوك طهران الإقليمي.
ويعتقد مراقبون أن المتشددين قد يدفعون إلى إقالة روحاني والتخلص من الاتفاق بحثا عن تحسين شروط التفاوض أو على الأقل ربح الوقت مع الغرب في ضوء ما تبديه دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا من “تفهم” لمطالب إيران وضرورة التخفيف من العقوبات الأميركية الجديدة المفروضة عليها.
ولنواب البرلمان سلطة مساءلة الرئيس والتصويت على عدم أهليته للمنصب لكن هذه الخطوة قد لا تتم الآن.
وأزاح البرلمان وزير الشؤون الاقتصادية والمالية مسعود كرباسيان عن منصبه، الأحد، وذلك إثر تراجع حاد في قيمة الريال ووسط تدهور في الوضع الاقتصادي. وفي أوائل أغسطس صوت المشرعون الإيرانيون على عزل وزير العمل وفي الشهر الماضي قام روحاني بتغيير محافظ البنك المركزي.
ويواجه روحاني حاليا هجوما من المحافظين بعدما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو الماضي.
وكان الاتفاق النووي سببا في رفع العقوبات عن طهران في مقابل كبح برنامجها النووي.
لكن واشنطن فرضت مجموعة جديدة من العقوبات في أغسطس مستهدفة تجارة إيران في الذهب وغيره من المعادن النفسية ومشترياتها من الدولار وقطاع السيارات. وتستهدف عقوبات أخرى من المتوقع فرضها في نوفمبر مبيعات النفط الإيرانية.
وقال روحاني خلال جلسة البرلمان التي نقلها التلفزيون الرسمي على الهواء “أريد أن أطمئن الأمة الإيرانية بأننا لن نسمح بنجاح المؤامرة الأميركية ضد الجمهورية الإسلامية”.
وأضاف “لن نمكن تلك المجموعة المعادية للإيرانيين في البيت الأبيض من (إنجاح) مؤامرتهم ضدنا”.
وسأل البرلمان روحاني عن فشل حكومته في التعامل مع ارتفاع معدل البطالة وضعف النمو الاقتصادي وتراجع الريال وعمليات التهريب عبر الحدود، والتي أضعفت الإيرادات.
ورد روحاني بأن حكومته طلبت من الحرس الثوري مساعدتها في التعامل مع مسألة التهريب.
وسأل أعضاء البرلمان روحاني كذلك عن السبب وراء عدم تبني حكومته لإصلاحات في القطاع المالي وسوق صرف العملات الأجنبية كما طلبوا إيضاحات للأسباب التي تقيد قدرة البنوك الإيرانية على الوصول إلى الخدمات المالية العالمية رغم مرور أكثر من عامين على إبرام الاتفاق النووي.
وكان رد روحاني بشأن البنوك هو الرد الوحيد الذي أرضى أعضاء البرلمان بينما أحالوا باقي الأمور إلى السلطة القضائية.