كتبت رحيل دندش في صحيفة “الاخبار”:
على طريقة القصة الشهيرة عن بناء مستشفى قرب حفرة بدل ردمها، اختار مجلس الانماء والإعمار إقامة محطة للصرف الصحي تخدم البقاع الشمالي قرب مكبين عشوائيين للنفايات في خراج بلدة رأس بعلبك، بدل إقفال المكبّين اللذين يعدّان مصدراً رئيسياً ــــ بين مصادر أخرى ــــ لتلوّث نهر العاصي. الموقع المختار يقع على واحد من مجاري السيل الطبيعية التي تصبّ في النهر، ويبعد كيلومترات قليلة عن نبع «عين الزرقا»، ما يضع العاصي على خطى الليطاني الذي رصدت الدولة، متأخرة جداً، مئات ملايين الدولارات لتنظيفه من التلوث.
العقار الذي اختاره المجلس تابع لبلدة الفاكهة ويضم مكبين لنفايات بلدات الفاكهة والعين ورأس بعلبك ومصباً للمياه المبتذلة التي تستخرج من الجور الصحية في البلدات الثلاث، ما يجعله واحداً من أبرز مصادر تلويث نهر العاصي بسبب تسرّب عصارات النفايات والمياه المبتذلة التي تُرمى فيه الى المياه الجوفية، فيما تحمل السيول الموسمية التي تضرب المنطقة النفايات الصلبة الى مجرى النهر.
القرار أثار غضباً بين أهالي بلدة الهرمل المجاورة التي يجري العاصي في أراضيها، وتعتاش مئات من عائلاتها من تربية الأسماك والمرافق السياحية على ضفتيه. وكان هؤلاء رفضوا قبل عامين إقامة محطة لتكرير مياه الصرف الصحي في المدينة بعدما اختار مجلس الانماء والاعمار موقعاً على «كتف» النهر، في منطقة غنية بالينابيع الجوفية، ومن دون إجراء دراسة أثر بيئي!
القرار مرّ «من دون مشورة نوّاب المنطقة وقد علمنا بالمشروع عن طريق الصدفة»، كما أكد لـ«الأخبار» نائب المدينة إيهاب حمادة. ولفت الى أن جزءاً كبيراً من موازنات مثل هذه المشاريع «يُنفق في العادة على الدراسات وليس على التنفيذ. فكيف لم تبيّن الدراسات خطر وجود محطة تكرير في مجرى السيل؟ وما هي الضمانة من أن سيلاً كالذي ضرب رأس بعلبك والفاكهة هذه السنة وجرف الجسور والصخور لن يجرف المحطة ومخلفاتها إلى النهر؟». حمادة التقى مهندسي المشروع لشرح «خطورة إقامة المحطة في هذا الموقع، وقد اقتنعوا بوجود خطأ ووعدوا بإعادة الدراسة بناء على اقتراح مكان آخر». ولفت الى اقتراح بإقامة المحطة في سهل القاع «لأن الأرض هناك أفضل عملياً لناحية انخفاضها بـ 100 متر عن موقع المحطة المعتمد، وكلما انخفض ارتفاع الأرض لا تعود هناك حاجة الى الضخ، فضلاً أن سهل القاع أجرد ولا سكان فيه، وهو بعيد عن النهر».
لن يسمح أهالي الهرمل بمرور المشروع «المخاطرة»، يؤكد حمادة. «فليس ثمة عاقل يقبل أن تقام محطة تكرير للمجارير على فمّ العاصي وتهدد مقوم الحياة الأساسي في المنطقة»، مشيراً الى أن مثل هذه المشاريع «تمرر على أساس أن المحطة ستنفذ بشكل متقن ومثالي، لكنها، في العادة، غالباً ما تكون مزاريب يستفيد منها منتفعون وتصب المصائب على رؤوس المواطنين». فالتنفيذ والمتابعة والإشراف والصيانة «لن تكون أفضل من محطة إيعات الذائعة الصيت التي أدّت الى زيادة منسوب التلوث في قرى قضاء بعلبك وإلى تفشي الروائح الكريهة في إيعات والقرى المحيطة حتى وصل الأمر أخيراً بسكان البلدة الى المطالبة بجرفها»!
لكن ماذا عن المكبين؟ يجيب حمادة: «بعد استنفاد كل الخطوات من رفع كتب ونداءات إلى رؤساء بلدية رأس بعلبك والبلديات الأخرى ومحافظ بعلبك الهرمل ووزارتي البيئة والأشغال، من دون جدوى، سنعمد كأهالي الهرمل إلى إقفال المكب بأنفسنا». لافتاً إلى أن هذه الخطوة تأخرت «حرصاً على الموسم السياحي».