كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: تشهد العلاقات الروسية اللبنانية تسارعا غير مسبوق في التعاون على مختلف المجالات في إطار إستراتيجية تهدف إلى تمكين التواجد الروسي في الشرق الأوسط، والذي يعد لبنان نقطة هامة لخارطته الإستراتيجية.
ويرصد المراقبون للشأن اللبناني ما يصفونه بـ”الزمن الروسي” القادم إلى المنطقة ويسعون لاستشراف الموقع الذي سيلعبه لبنان داخل دائرة النفوذ الروسي في سوريا.
وفيما تهرول قيادات سياسية لبنانية إلى موسكو لاستدراج مواقف روسية داعمة لمناوراتها السياسية الداخلية، لا يبدو أن روسيا بصدد الدخول في اللعبة المحلية أو التدخل بها على منوال ما مارسته دمشق إبان الوصاية السورية على البلد.
ويقول خبراء لبنانيون في الشؤون الروسية إن موسكو تقارب الشأن اللبناني بدقة وحساسية آخذة بعين الاعتبار وضع لبنان الداخلي وبنيته الطائفية الفريدة، إضافة إلى تقاطع شبكة معقدة من المصالح الإقليمية والدولية داخله.
ويضيف هؤلاء أن موسكو تدرك أن أي اندفاعة روسية غير محسوبة باتجاه لبنان ستمثل استفزازا لتيارات بيتية لبنانية كما لمجموعة من المصالح المتناقضة لعواصم الخارج، وتحديدا واشنطن.
وبقي لبنان خلال العقود الأخيرة ضمن دائرة النفوذ الغربي أثناء الحرب الباردة، وهذه الحقيقة لم تتغير بعد دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 والذي لم يحصل إلا بضوء أخضر أميركي ووفق معايير وشروط إسرائيلية. وتعتمد المؤسسات الأمنية والعسكرية اللبنانية على تسليح وعتاد ولوجيستيات غربية، ولطالما وقفت واشنطن وحلفاؤها ضد أي محاولة لدول مثل روسيا وإيران للتدخل في طبيعة تسليح الجيش اللبناني.
وتمتلك موسكو خبرة طويلة في التعامل مع الحالة اللبنانية منذ عهود الحرب الباردة، واستطاعت التعايش مع كافة التحولات التي طرأت على هذا البلد، على الرغم من أنها كانت ترعى عسكريا وسياسيا تحالفا يساريا قوميا ثوريا أثناء الحرب الأهلية ما بين عامي 1975 و1990، ناهيك عن دعمها السياسي والعسكري لقوات منظمة التحرير الفلسطينية ما قبل عام 1982.
وتلفت مراجع روسية إلى أن موسكو راقبت (وربما ساعدت في) ضرب القوات الأميركية والفرنسية التي قدمت إلى لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وأنها غير معنية بالسعي لتدخل عسكري مباشر هناك، وأن ما تم تداوله بهذا الشأن لا يعدو كونه تكتيكا إجرائيا مؤقتا.
وكانت تقارير إعلامية تداولت أن موسكو عرضت أثناء اجتماع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بنظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في جنيف مؤخرا دخول لواء عسكري روسي إلى منطقة البقاع اللبنانية لتأمين معبر لعودة اللاجئين السوريين وأن واشنطن رفضت ذلك. تشيد مراجع سياسية لبنانية ببراعة موسكو في نسج علاقات ممتازة مع كافة الفرقاء اللبنانيين دون اتخاذ أي موقف مرجح لأي من هذه الأطراف.
ويضيف هؤلاء أن موسكو تعرب عن رعاية وترحيب بالرئيس سعد الحريري بما يمنح الرجل مناعة روسية يحتاجها في وقت تؤكد فيه روسيا على متانة علاقاتها مع إيران التي ترعى حزب الله في لبنان.
وتوافدت شخصيات متخاصمة ومتناقضة أيديولوجيا مثل سامي الجميل وطلال أرسلان وتيمور جنبلاط وجبران باسيل وغيرهم إلى العاصمة الروسية في الأسابيع والأشهر الأخيرة ولقوا نفس الرعاية والترحيب ودرجات الإصغاء. وينظر المسيحيون الأرثوذكس في لبنان إلى روسيا بصفتها الكنيسة راعية لهم مدافعة عن أمنهم.
وتجد تيارات شيوعية ويسارية لبنانية في روسيا بوتين موطنا يدغدغ لديها حنينا إلى الحقبة السوفيتية السابقة. وتجد تيارات قومية عربية وسورية مؤيدة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو نصيرا يدعم مواقعها ومصالحها في لبنان من خلال ما تقدمه للدفاع عن نظام دمشق.
وبالمقابل، لا تجد التيارات السياسية اللبنانية المؤيدة تاريخيا للغرب في روسيا نصيرا لقضاياها في البلد. كما أن التيارات الإسلامية مازالت ترى في روسيا دولة إلحاد سوفيتية على الرغم من سقوط الحكم الشيوعي هناك منذ عقود.
يبدو حزب الله من أشد المتخوفين من أي نفوذ متصاعد لروسيا في لبنان؛ فتعاظم النفوذ الروسي سيأتي على حساب تعاظم النفوذ الإيراني في البلد. وأي اتفاق بين موسكو وواشنطن حول إيران سيتيح لموسكو لعب دور فاعل في تقليص نفوذ إيران في سوريا وتحجيم دور حزب الله في لبنان.
يفسر هذا الموقف لماذا كان حزب الله أول المعترضين عام 2008 على هبّة قيل إن موسكو وعدت بها رئيس الحكومة سعد الحريري لتقديم 10 طائرات من طراز ميغ 29 إلى الجيش اللبناني.
ويقول الكاتب في صحيفة ‘العرب ويكلي’ مكرم رباح “بالنسبة لإيران كان لبنان قصة نجاح حينما استطاع حزب الله التسلل إلى المجتمع والدولة، وسيطرته على مفاصلها وتعريض لبنان واقتصاده الهش للعقوبات الاقتصادية الغربية”، بسبب الولاء لإيران.
وتواجد منافسة روسية اليوم، إلى جانب الحضور التقليدي الخليجي والأميركي، لن يكون مصدر ترحيب من طهران، وهي مهددة في أي وقت بانقلاب روسي على مصالحها في سوريا.